منتديات امة الحبيب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نحن امه اجتمعت علي حب النبي صلي الله عليه وسلم


    تفاضل الطّاعات، وفقه الأولويّات كتـب المقال عبد الحليم توميات الجزائري محاضرة بمسجد ( أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه ) بالجزائر العاصمة

    hichou78
    hichou78
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    تاريخ التسجيل : 04/02/2010

    تفاضل الطّاعات، وفقه الأولويّات كتـب المقال عبد الحليم توميات الجزائري محاضرة بمسجد ( أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه ) بالجزائر العاصمة Empty تفاضل الطّاعات، وفقه الأولويّات كتـب المقال عبد الحليم توميات الجزائري محاضرة بمسجد ( أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه ) بالجزائر العاصمة

    مُساهمة من طرف hichou78 السبت فبراير 06, 2010 10:45 am

    الحمد لله، ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم، على محمّد وآله وصحبه أجمعين، وعلى من تبِعهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
    فائدة هذه الدّورات العلميّة
    فإنّ مثل هذه الدّورات العلميّة في مثل هذه الأيّام تذكّرنا بما كان يسمّيه السّلف الصّالح بـ( الصّائفة )، حيث كانوا لا يكاد الصّيف يأتي من كلّ عام إلاّ وتراهم يستعدّون للعمل الجادّ، والبذل والجهاد في فصل الصّيف ..
    ( الصّائفة ) هي الغزوة السّنوية التي كان يعقد ألويتها خليفة المسلمين، ويؤمِّر عليها أشهرَ القادة، ويبعث بها إلى ثغر من الثّغور، لتقوم بواجب الجهاد في تلك السّنة، وهي الحدّ الأدنى المطلوب من الجهاد في كلّ عام.
    فكان المسلمون يخرجون في كلّ صيف إلى بلاد الكفّار، للقيام بواجب الدّعوة إلى الله، فيعرضون عليهم الإسلام، أو الدّخول تحت حكم أهل الإيمان، أو القتال إعلاء لكلمة الواحد الديّان ..
    كانت تلك هي سياحةَ الأمّة المسلمة، وتلك هي برامج التّنشيط السّياحي لهذه الأمّة .. برامج مكثّفة ليس فيها عبث ولا لهو ولا بطالة ولا عطالة، ولا تضييع للأوقات، ولا تهميش للصّلوات، ولا ارتكاب للمحرّمات، ولا تسكّع على الأرصفة للمعاكسات، وإيذاء المارّين والمارات، ولا تهافت على الأسواق .. ولكن قوّة ونشاط، وعبادة وعزّة، وسموّ ورفعة، وتعالٍ على حطام الدنيا، وإقبال على عمارة الآخرة.
    العلم من ضروب الجهاد في سبيل الله تعالى
    وإنّ العلمَ ونشره بين النّاس من الجهاد في سبيل الله تعالى، لذلك روى أبو داود عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: ((جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ ))، فتكون مثل هذه الدّورات العلميّة من هنا وهناك بمثابة الصّائفة الّتي كان يحرص السّلف على إقامتها.
    وإنّ موضوع المحاضرة الّتي أتقدّم بها بين أيديكم هي بعنوان: " تفاضل الطّاعات، وفقه الأولويّات "، ولقد اختِير هذا الموضوع لأسباب منها:
    اغتنام الأوقات فيما هو أولى وأحرى، فإنّ المسلم قد يشتَغِل بعمل ظاهره أنّه صالح ويؤجر عليه، ولكنّه يفوّت على نفسه ما هو أهمّ. وفي طيّات هذا الكلام رسالة خفيّة إلى من يصرف وقته فيما لا طائل تحته أو في معصية الله تعالى. وقد كان سلف الأمّة حريصين كلّ الحرص على معرفة أعظم الطّاعات حتّى يُكثِروا من الحسنات وتكفير السيّئات.
    فقد روى مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أُسْقِيَ الْحَاجَّ، وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه، وَقَالَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ..الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا.
    وفائدة هذا الموضوع تكمن أيضا في معرفة أيّ الطّاعات أولى بتركها حال التّزاحم، فكثير من النّاس يترك ما هو قادر عليه ويسعى لما لا يقدر عليه، فيضيع جهده في تكلّف المفقود فيضيّع بذلك ما هو موجود.
    تكمن أيضا في الدّعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
    تكمن في ترشيد الصّحوة الإسلاميّة، فإنّ كثيرا من الشّباب ربّما رأيته بمجرّد اهتدائه إلى الصّراط المستقيم، رأيته يشتغل بما لا يعنيه، أو بما يشقّ عليه، ثمّ يكون في آخر المطاف إمّا أن يقوده الشّيطان إلى الإفراط أو التّفريط.
    فمبنى هذه المحاضرة على نقطتين اثنتين، الأولى:
    1- تفاضل الطّاعات:
    فلا شكّ أنّ الطّاعات تتفاضل وتتفاوت، كما أنّ السّيئات تتباين وتتفاوت، وقد:
    فاضل الله بين الأيّام فجعل أفضلها في الأسبوع يوم الجمعة، وأفضلها في العام يوم النّحر، وجعل أفضل اللّيالي ليلة القدر، وأفضل العشيّ عشيّة عرفة، وأفضل الشّهور رمضان.
    وفاضل بين كلامه، فأفضل السّور سورة الفاتحة، وأعظم الآيات آية الكرسيّ.
    وفاضل الله بين أنبياءه ورسله عليهم السلام فقال:{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } [البقرة: من الآية253]، وقال: { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً } [الإسراء: من الآية 55]، كذلك فاضل بين الطّاعات، وقد كثرت أقوال العلماء في ذلك:
    فمنهم من فضّل الجهاد، فقال ليس ثمّة بعد التّوحيد مثل الجهاد، لما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: (( إِيمَانٌ بِاللَّهِ )) قَالَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: (( الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )) قَالَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: ((( حَجٌّ مَبْرُورٌ)).
    ومنهم من فضّل الصّلاة لما رواه مسلم أيضا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَوْ الْعَمَلِ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ )).
    ومنهم من فضّل الذّكر، وقال: ما فضّلت الصّلاة إلاّ لكونها ذكرا لله تعالى، واستدلّوا بما رواه التّرمذي وغيره عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟)) قَالُوا: بَلَى! قَالَ: (( ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى )).
    ومنهم من قال: أحسنها ما كان ديمةً، لما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ )).
    ومنهم من جعل أفضل الطّاعات ما كان متعدِّي النّفع، لما رواه الأصبهاني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ ؟ فَقَالَ: (( أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْناً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً، وَلَأَنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا المَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ المَدِينَةِ – شَهْراً، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَقْضِيَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ )).
    قالوا وما فُضّل العلم والجهاد إلاّ لكون نفعهما متعدّيا.
    وغير ذلك من الأقوال، وأحسنها ما ذكره ابن القيّم رحمه الله: أنّ أفضل العبادات ما كان موافقا للحال والزّمان ..
    فإذا نظرنا إلى حال الشّخص فربّما فضل لديه عمل دون آخر، فلو كان حريصا على مساعدة النّاس وكان مضيّعا لحضور مجالس العلم فإنّه يُنصح بالتعلّم، ولو كان حريصا على العلم مضيّعا لحقوق أهله ووالديه فهذا يكون أفضل الأعمال إليه هو برّ الوالدين وإحسان صحبتهما، وربّما كان أحدهم ثقيل الحفظ والفهم للعلوم الشّرعيّة ولكنّه يحسن القيام ببعض الأعمال الأخرى، فإنّ أفضل الأعمال إليه هو العمل فيما يُحسنه، ولا ينصح بالتعمّق في العلوم الشّرعيّة. ولذلك كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يجيب هذا بما لا يجيب به الآخر، قال النّوويّ في شرح صحيح مسلم: " قال العلماء: اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال، واحتياج المخاطبين ".
    أمّا إذا نظرنا إلى الأوقات ففي وقت الصّلاة تكون الصّلاة أفضل العبادات، وعند حضور مجلس العلم يكون العلم أفضل من النّوافل، وعند دخول وقت الرّواتب يكون أداؤها أفضل من عمل آخر، وعند احتياج الأخ إليك تكون إعانته أفضل القربات. والأصل في المسلم أن لا يفرغ من عبادة الله، قال تعالى:{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (Cool }.
    قال ابن القيّم رحمه الله: (أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرب في كل وقتٍ بما هو مقتضى ذلك الوقت، ووظيفته).
    فأفضلها عند لقاء العدوّ جهاده، ولو آل ذلك إلى ترك قيام الليل، وصيام النّهار، قال تعالى: { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }[المزمل:20].
    وأفضلها عند نزول الضّيف القيام بحقّه، لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا)).
    وأفضلها عند سماع الأذان أن تترك ما أنت فيه من ذكر، وأن تجيب المؤذّن لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا سَمِعْتُمْ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ..)) الحديث
    وأفضلها عند أوقات الصّلوات المبادرة إلى الجامع، والنّصح في أدائها على أكمل وجه لقول الله تعالى: { رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } [النور:37].
    وأفضلها عند السَّحَر تلاوة القرآن والدّعاء والاستغفار والصّلاة لقول الله تعالى: { يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [آل عمران:113]. ولقوله: { وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذّاريات:37].
    وأفضلها عند ضرورة المحتاج إغاثته بالجاه أو البدن أو الحال، لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفَكُّوا العَانِي )).
    وأفضلها عند لقاء أخيك التّسليم عليه، ولو أدّى إلى قطع الذّكر، وأفضلها عند مرضه أو موته عيادته وتشييع جنازته؛ لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ )).
    فإذا أتقن المسلم فَهْم هذه النّقطة سهُل عليه فَهِم وفقِه:
    النّقطة الثّانية: فقه الأولويّات.
    والأولويّات مأخوذ من الأولى، وهو الأقرب الّذي ينبغي الأخذ به والتمسّك به.
    فينبغي للمسلم أن يشتغل بما هو أولى في كلّ شؤونه:
    ففي مقام العبادة: يبدأ بالاشتغال بما فرض الله عليه، وليس من الحكمة في شيء أن يشتغل بالنّفل ويقعدَ عن الفرض، فيكون كمن بنى قصرا ليهدم مصرا، روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ )).
    ومن هنا حَسُن بطالب العلم وهو يتعلّم أن يفرّق بين الفرائض والمستحبّات.
    وفي مقام طلب العلم: ننظر، فإن كان قبل سنّ التّكليف فأحسن ما يشتغل به هو حفظ كلام الله تعالى ومتون العلوم، أمّا إن كان مكلّفا فإنّه يشتغل بتعلّم ما فرضه الله عليه من التّوحيد والإيمان الصّحيح، ثمّ ما يجب عليه خلال يومه وليلته، ثمّ ما يجب عليه بحسَب حاله، ثمّ يشرع في حفظ كلام الله تعالى، ثمّ يبدأ بإتقان كلام العرب، ثمّ يدرس أصول كلّ فنّ ولا ينبغي له الاشتغال بتفاصيل علم قبل أن يُكمل مشواره في إتقان أصول العلوم، فقد قال العلماء: لا تخصّص إلاّ بعد إلمام.
    والعلم إن طلبته كثير والعمر لتحصيله قصير فقدّم الأهمّ فالأهمّ
    أمّا في مقام الدّعوة: فأعظم ما تبدأ به:
    تعليم النّاس ما ينفعهم شيئا فشيئا
    قال البخاري في " صحيحه ": وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ }: حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ، وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.
    وذكر رحمه الله عن عَلِيٍّ رضي الله عنه قال:" حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صلّى الله عليه وسلّم".
    قال الحافظ: " ومثله قول ابن مسعود رضي الله عنه: " ما أنت محدّثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلاّ كان لبعضهم فتنة " [رواه مسلم]، وممّن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السّلطان، ومالك في أحاديث الصّفات، وأبو يوسف في الغرائب، ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن، ونحوه عن حذيفة وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجّاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدّماء بتأويله الواهي، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوّي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب، والله أعلم ".
    التدرّج في التّبليغ:
    وهي سنّة من سنن الله في التّشريع، روى البخاري عن عائشة قالت: " إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا ".
    ومنه كان مذهب أهل السنّة في الدّعوة إلى الله هو البدء بالدّعوة إلى التّوحيد ثمّ أركان الإسلام وهكذا، وأصلهم في ذلك ما رواه البخاري ومسلم لمّا أراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يبعث معاذاً إلى اليمن، رسولاً منه إليهم قال له: (( إنّك تقدم على قوم من أهل الكتاب؛ فليكن أوّل ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله، فإذا عرفوا ذلك؛ فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيّهم فترد على فقيرهم، فإذا أقرّوا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس )).
    فأوّل واجب على المكلف وقتما يكلّف أن يفرد الله تعالى بالعبادة، ويوحّده بها؛ لأنه المستحق لذلك سبحانه، وإن معرفة الله في قلب كل عاقلٍ؛ مستقرّة، والواجب إنما إفراده سبحانه بما يستحقه من العبادة.
    ثم يأمرهم بعد ذلك أن يقيموا عمود الإسلام، الذي لا يتصور قيام الإسلام بدونه، وهو الصلاة، قال صلّى الله عليه وسلّم: (( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ؛ تَرْكُ الصَّلاَةِ )) وقال: (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر)).
    ثم أمره أن يخبرهم بأن لإخوانهم الفقراء حقاً في أموالهم جعله الله لهم، وأنه يكون طهرة لأموالهم وزيادة في إيمانهم واطمئناناً في قلوبهم، قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها وتزكيهم وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع } [البقرة:103].
    ثمّ حذّره من الظلم، وأخبر أنه ليس بين الله وبين دعوة المظلوم حجاب، فإنها إذا ارتفعت إليه سبحانه يقسم لها قائلاً: (( وعزّتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين )) [صحيح سنن التّرمذي].
    تقديم العمل المتعدي على العمل القاصر، أو قل: تقديم الأكثر نفعاً على غيره، وفي صحيح البخاري قال صلّى الله عليه وسلّم: (( خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه))، وفي الصّحيحين قال صلّى الله عليه وسلّم: (( ذهب المفطرون بالأجر )).
    وفي المسند (( ألا أخبركم بأفضل من درجة: الصلاة والصيام والصدقة؟ إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة )).
    إنكار المنكر الأشدّ: ففي صحيح مسلم قال صلّى الله عليه وسلّم لعائشة: (( لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية لنقضت الكعبة، ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين، باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه ))؛ فهم أنه من باب تقديم المصالح بعضها على بعض بحسب أهميتها.
    وغير ذلك من الأمور المهمّة، والأمثلة كثيرة جدّا، إنّما أتينا على أهمّها، والله الموفّق لا ربّ سواه.
    سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 3:45 pm