القول المبين في أخطاء المصلّين
العدد 11
العدد 11
1/ما جاء في من ترك الجمعة
عن أبي الجَعد الضَّمْري رضي الله عنه ،عن النبي صلّى الله عليه و سلّم قال : ((من ترك ثلاث جُمَعٍ تهاوناً بها ، طبع الله على قلبه))(1).
ويطلب ممن وجبت عليه الجمعة ، وتركها لغير عذر ، أن يصلي الظهر ، ويتّصدّق بدينارٍ ، فإن لم يجد فبنصف دينار ،عن سمرة بن جندب أنّ النبي صلّى الله عليه و سلّم قال : ((مَنْ ترك الجمعة متعمّداً ، فليتصدق بدينار ، فإن لم يجد فبنصف دينار))(2).
ومعنى : ((تهاوناً بها)) أي : لقلة الاهتمام بأمرها ، لأن الاستخفاف بفرائض الله تعالى كفر ، ونصب على أنه مفعول لأجله ، أو حال ، أي : متهاوناً .
وهذا بعض بيان لما وصل له تاركو صلاة الجمعة ـ وما أكثرهم هذه الأيام ـ لعلّهم ينتبهون ، ويفيقون مِنْ غيّهم الذي هم فيه سادرون (3)، ونخصّ منهم الأصناف التّالية : مشاهدي كرة القدم ، والعروس ، ومن تخلّف عنها للنّزهة .
أ} تخلّف آلاف من مشاهدي كرة القدم عن صلاة الجمعة :
جمهور ((الكرة)) ، الذي يصل عددهم إلى مئات الألوف ، يجتمعون في وقت صلاة الجمعة في المدرجات ، ويناديهم منادي السّماء ، ولكن ... أنّى لهم أن يستجيبوا له ، وقد تعطّلت عقولهم ، وماتت أحاسيسهم ، مقابل ماذا ؟! مقابل التعصب المقيت للفرق الرياضية المختلفة ، فهذا يشجع فريقاً ، وذاك يشجع فريقاً آخر ، بل أن أهل البيت الواحد ، ينقسمون على أنفسهم ، هذا يتبع فريقاً ، وذاك يتبع فريقاً آخر ، ولم يقف الأمر عند حدّ التشجيع ، بل تعداه إلى سخرية أتباع الفريق المنتصر واستهزائهم من أتباع المنهزمين ، وفي نهاية المطاف ، يكون هناك الشجار والعراك ، الذي يدور بين مشجعي الفريقين ، وسقوط الجرحى والقتلى بالمئات ، من ضحايا كرة القدم . ومقابل إشغال الأمة الإسلامية من التفكير في جهاد أعدائها ، وقضاياها المصيريّة الكبرى .
ومقابل القضاء على معاني العزّة والكرامة في الأُمة ، حيث بددت الأمة أموالاً طائلة ، وأضاعت أوقاتاً طويلة ، لو استغلتها الأمة في الأعمال النافعة ، والصناعات المفيدة ، لأصبحت الأمة في مقام الدول المتقدّمة ، في المجالات المختلفة . ومقابل قلب الموازين ، حيث أصبح البطل في هذا الزّمان ، هو لاعب الكرة (!!) لا المجاهد المدافع عن كرامة الأمة و عزّتها ، بالإِضافة إلى بذل الأموال الضخمة للاعبين ، والإِسلام لا يقرّ قلب الموازين ، بل يعرف لكل إنسان قيمته ، بلا إفراط ولا تفريط .والخلاصة : إن كرة القدم الآن ، أصبحت من المعاول الهدّامة ، التي استخدمها أعداء الأمة الإِسلاميّة ، وشجعوا عليها ، ومما يؤكد ذلك ما جاء في البروتوكول الثالث عشر من بروتوكولات حكماء صهيون:((. . . ولكي تبقى الجماهير في ضلال ، لا تدري ما وراءها ، وما أمامها ، ولا ما يراد منها فإننا سنعمل على زيادة صرف أذهانها ، بإنشاء وسائل المباهج والمسلّيات ، والألعاب الفكهة ، وضروب أشكال الرياضة و اللهو ، وما به الغذاء لملذّاتها وشهواتها ، والإِكثار من القصور المزوّقة والمباني المزركشة ، ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنيّة ورياضيّة ...))(4).
أسمعت ـ أخي المسلم ـ ما يريد بك أعداؤك ، إنهم يريدون بك أن تبقى في ضلال ، فلا ترى النّور أبداً .
ب} تخلّف العروس(5) عن صلاة الجمعة والجماعة :
ومن الأخطاء الشّائعة عند بعض الناس : قولهم بجواز تخلّف العروس عن صلاة الجمعة والجماعة في المسجد .سئل محمد العتبي القرطبي ـ رحمه الله ـ عن العروس ، يدخل بأهله في ليلة الجمعة ، أيختلّف عن الجمعة ؟ قال : ((لا ، ولا عن الظهر والعصر ، ولا يتخلّف عنهما ، ويخرج إليهما)) .ثم قال : ((إذا كان مَنْ يُنظر إليه ، يفتي بالجهالة جرت في الناس))(6).وهذا يدلّ على أنّ هذا الخطأ قديمٌ جديدٌ ، ولا زال يفتي به بعض المنتسبين للعلم ، المتطفلين على موائده ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم .
ت} التخلّف عن صلاة الجمعة للتّنـزّه :
وقد حدث في هذا الأوان أن كثيراً ممن ينسبون إلى الإِسلام ، يتعمّدون الخروج يوم الجمعة إلى التنزّه براً أو بحراً ، وبدلاً من أن يتعبّدوا الله بما ورد عنه وعن رسوله في هذا اليوم ويحيونه بالصّلاة ، والصّدقة ، والذّكر ، ونحو ذلك ، يرتكبون المنكرات في هذا اليوم الشريف ، من أغانٍ ، وطربٍ ، وخمر ، وما إلى ذلك من الموبقات ، التي يخجل الإِنسان من ذكرها ، فضلاً عن ارتكابها .
قلت : وفي بعض البلاد شاهدتُ بعيني أن كثيراً من الرّجال يتخلّفون عن صلاة الجمعة إذا
كان عندهم عرس بحجّة الانشغال بإعداد الوليمة ، ربما كان مَنَ المتخلّفين مِنْ هم أوتاد
المساجد ، ولكن غلبت عليهم العادة !فإلى أولئك المتهاونين ، وإلى أولئك الذين فتنتهم الدّنيا بزينتها ورونقها. ورزقوا حظّاً من المال أو الجاه ، نهدي هذه النصيحة الثمينة ، ونذّكّرهم بما قدّمناه من أحاديث شريفة ، ونقول لهم : لا تغترّوا بما آتاكم الله من صحةٍ وشباب ، وقوة ومال ، فاعرفوا قدر نعم الله عليكم ، واشكروه حقّ الشكر . وأدّوا فرائض الله ، ولا تتهاونوا في أداء الصلوات وحافظوا على الجمع و الجماعات ، فإن الحساب عسير .
{وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }(6).
2/ جملة من الأخطاء تفوّت على أصحابها ثواب الجمعة :
1. عن أوس بن أوس قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول : ((مَنْ غسَّل يومَ الجمعة واغتسل ، وبكّر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنا من الإِمام ، واستمع ولم يَلْغُ ، كان له بكلّ خطوة أجر سنةٍ : صيامها وقيامها))(7).
2. عن أبي هريرة قال : قال النبي صلّى الله عليه و سلّم : ((إذا كان يوم الجمعة ، وقفت الملائكة على باب المسجد ، يكتبون الأوّل فالأوّل . وَمَثلَ المُهَجِّر كمثل الذي يُهدِي بدنه ، ثم كالذي يُهدِي بقرةً ، ثم كبشاً ، ثم دجاجة ، ثم بيضة ، - فإذا خرج الإمام طَوَوْا صُحُفَهم ، يستمعون الذّكر))(8).
3. عن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم :((من اغتسل يوم الجمعة ، وتطهَّر بما استطاع من طُهْرٍ ، ثم ادّهن أو مسَّ من طيب ، ثم راح ، فلم يفرِّق بين اثنين ، فصلّى ما كتب له ، ثم إذا خرج الإِمام أنصت ، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))(9).
4. عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال : ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة : أنصت ـ والإِمامُ يخطب ـ فقد لَغَوْتَ))(10).
فمن هذه الأحاديث عُلِمَ خطأ ما يلي :
-ترك التبكير لصلاة الجمعة
-ترك الاغتسال والتزيّن والتطيّب والتسوّك لصلاة الجمعة
-الكلام وعدم الاستماع لخطيب الجمعة ومنه ما يحصل في بعض المساجد من الدّوران على الناس ، يوم الجمعة ، بصندوقٍ ،لجمع التبرعات ، والإمام يخطب .
-خطأ من ينام والإمام يخطب . عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه و سلّم قال : ((إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة ، فليتحوّل من مجلسه ذلك إلى غيره))(11) .
-خطأ من استدبر الإِمام والقبلة والإِمام يخطب ،قال ابن القيم في هدي النبي صلّى الله عليه و سلّم وأصحابه في خطبة الجمعة : )(وكان إذا خطب قائماً في الجمعة ، استدار أصحابُه إليه بوجوههم ، وكان وجهه صلّى الله عليه و سلّم قِبلَهم في وقت الخطبة))(12) .
-تخطي الرّقاب وإيذاء النّاس يوم الجمعة
-سنّة الجمعة القبليّة :ولو كان للجمعة سنّة قبلها ، لأمرهم النبي صلّى الله عليه و سلّم بعد الأذان ، بصلاة السنّة ، وفعلها هو صلّى الله عليه و سلّم . ولم يكن في زمن النبي صلّى الله عليه و سلّم غير الأذان بين يدي الخطيب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الترمذي(500) أبو داود (1052) النّسائي (3/88) أحمد (3/424و425) ابن ماجة(1125) الحاكم (1/280) الدولابي (1/21-22) البغوي (1053) البيهقي (3/172) الطّحاوي (4/230) ابن خزيمة (1857-1858) ابن حبّان (553-554) المروزي (62) وصححه جماعة منهم.
(2) أبو داود(1053) النّسائي في المجتبى (3/89) أحمد (5/8-14) ابن حبّان (582) الحاكم (1/280)
(3) يقال سَدَرَ فلان في البلاد أي ذهب فلم يثنه شيء.
(4) برتوكولات حكماء صهيون (1/258)
(5) المراد بها هنا الرّجل
(6) البقرة 281
(7) أحمد (4/104) أبو داود (345) النّسائي في المجتبى (3/97) التّرمذي في الجامع (496) ابن حبّان (559) ابن خزيمة (1758) البغوي (1064-1065) المروزي (51)
(8) البخاري (929-3211) مسلم (850)
(9) البخاري (883-910) أحمد (5/438-440) الدّارمي (1/362)
(10) البخاري (934) مسلم (851)
(11) أبو داود (1119) ابن حبّان (571) الحاكم (1/291) البيهقي في الكبرى (3/237) أحمد (2/22-32) أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/186) ابن خزيمة (1819)
(12) زاد المعاد (1/430)