الحديث الثلاثـــون
عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر . عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهــكوهــا ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثـــوا عنها ) حديث حسن رواه الدارقطني وغيره .
-----------------------------------------------------
معاني الكلمات :
فرض فرائض : أي أوجبها على عباده .
فلا تضيعوها : أي فلا تتركوها أو تتهاونوا بها .
وحد حدوداً : الحد لغة المنع ، واصطلاحاً : عقوبة مقدرة شرعاً تزجر وتمنع من المعصية .
فلا تنتهكوها : فلا تفعلوهــا .
الفوائد :
1- الحديث قسم الأحكام إلى أربعــة أقسام :
القسم الأول : الفرائض .
( كالصلاة ، والصيام ، والزكاة ، وجميع الواجبات التي أمر الله بها ) .
- وهذه يجب المحافظة عليها .
- والفرض تعريفه : ما ذم تاركــه شرعاً .
- وحكمه : يثاب فاعله امتثالاً ويعاقب تاركـــه .
- والفرض والواجب بمعنى واحد عند كثير من العلماء .
- وله صيغ :
منها : فعل الأمر ، كقوله تعالى } وأقيموا الصلاة وآتــوا الزكاة { .
ومنها : الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر ، كقوله تعالى } وليطّوفوا بالبيت العتيق { .
ومنها : التصريح من الشارع بلفظ الأمر ، كقوله تعالى } إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها { .
ومنها : التصريح بلفظ الإيجاب أو الفرض أو الكتب ، كقوله تعالى } فريضة من الله { وقوله } كتب عليكم الصيام { .
- والفرض ينقسم إلى قسمين : فرض عين – وفرض كفاية .
الفرض العيني : وهو ما يتحتــم أداؤه على كل مكلف بعينـــه .
والفرض الكفائي : وهو ما يتحتم أداؤه على جماعة من المكلفين ، لا من كل فرد منهم ، بحيث إذا قام به بعض المكلفين فقد أدِيَ الواجب ، وسقط الإثم والحرج عن الباقين .
- فرض العين أفضل من فرض الكفايــة .
لأن فرض العين مفروض حقاً للنفس ، فهو أهم عندها من فرض الكفاية وأكثر مشقة ، بخلاف فرض الكفاية فإنه مفروض حقاً للكفاية ، والأمر إذا عمّ خف ، وإذا خص ثقل .
- الفرض أفضل من النفل .
لقوله صلّى الله عليه و سلّم ( قال تعالى : وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضتــه عليه ) رواه البخاري
القسم الثاني : الحدود التي حَدَّها الشرع .
- كحد الزنا وحد السرقــة وحد شرب الخمر ، فهذه يجب الوقوف عندها بلا زيادة ولا نقصان .
- الحكمة من هذه الحدود : المنع والزجـــر عن الوقوع في المعاصي ، وتمنع المعاودة في مثل ذلك الذنب وتمنع غيره أن يسلك مسلكــه .
- وإقامة حدود الله في الأرض فيه خير عظيم .
قال صلّى الله عليه و سلّم ( حد يقام في أرض الله خير من أن تمطروا أربعين عاماً ) رواه ابن ماجه .
- يحرم الشفاعة لإسقاطها .
قال صلّى الله عليه و سلّم لأسامة بن زيد حين كلمه في المرأة المخزوميـة التي سرقت ( أتشفع في حد من حدود الله ، وأيم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) متفق عليه .
القسم الثالث : المحرمات التي حرمها الشارع .
- فهذه يحرم فعلها .
( كالشرك ، والقتل بغير الحق ، وشرب الخمر ، والزنا ، وغيرها مما حرمها الشرع ) .
- تعريف المحرم : لغة : الممنوع ، واصطلاحاً : ما ذم فاعله شرعاً .
- وحكمه : يثاب تاركه امتثالاً ، ويعاقب فاعله .
- وله صيغ يأتي بهــا :
منها : لفظ التحريم ومشتقاتها ، كقوله تعالى } حرمت عليكم الميتـة { .
ومنها : صيغ النهي المطلق ، كقوله تعالى } ولا تقربـــوا الزنى { .
ومنها : التصريح بعدم الحل ، كقوله e ( لا يحل دم امرىء ... ) .
ومنها : أن يرتب الشارع على فعل شيء عقوبة ، كقوله تعالى } والسارق والسارقة فاقطعــوا أيديهمـا ... { .
- يجب ترك المحرمات والمنهيات كلها .
قال صلّى الله عليه و سلّم ( ما نهيتكــم عنه فانتهــوا ) متفق عليه .
القسم الرابع : المسكــوت عنه .
وهذا حكمه : حلال .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” لكن هذا في غير العبادات ، أما في العبادات فقد حرم الله أن يشرع أحد من الناس عبادة لم يأذن بها الله “ .
وجه الدلالة من الحديث على أن ما سكت عنه فهو عفو :
أنه صلّى الله عليه و سلّم بين أن ما سكت الله عنه بعد الشرع إنما هو مباح رحمة بنا وتخفيفاً عنا ، فلا نبحث عن السؤال عنه ، وهذا دليل على إباحته .
ومعنى كون السكوت رحمة ، لأنها لم تحرم فيعاقب على فعلها ، ولم تجب فيعاقب على تركها ، بل هي عفو لا حرج في فعلها ولا في تركها .
- لا ينبغي البحث والسؤال عما سكت عنه .
لأنه على الأصل ، ولذلك كان النبي صلّى الله عليه و سلّم يكره السؤال وينهى عنه خوفاً أن يفرض على الأمة ، وإنما نهى عن كثرة السؤال خشية أن يرد تكاليف بسبب السؤال قد يشق على بعض الناس امتثالها والإتيان بها .
2- انتفاء النسيان عن الله تعالى .
قال تعالى } لا يضل ربي ولا ينسى { .
وقال تعالى } وما كان ربك نسياً { .
وأما قوله تعالى } نسوا الله فنسيهــم { فالمراد : هنا الترك ، أي تركوا الله فتركهــم .