الحديث الثاني والأربعــون
عن انس – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول ( قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً ، لأتيتك بقرابها مغفرة ) رواه الترمذي وقال حديث حسن .
-----------------------------------------------------
معاني الكلمات :
لا أبالي : لا أهتــم .
عنان : العنان هو السحاب .
بقراب : بضم القاف أي ما يقارب ملء الأرض ذنوباً .
الفوائد :
1- في هذا الحديث الأسباب التي تحصل بها المغفرة ، وهي ثلاثة :
السبب الأول
الدعـــاء مـــع الرجـــــاء
الدعـــاء مـــع الرجـــــاء
فإن الدعاء مأمور به ، وموعود عليه بالإجابة .
قال تعالى } وقال ربكم ادعوني أستجب لكم { .
والدعاء عبادة .
قال e ( الدعاء هو العبادة ) رواه أبو داود .
والله يغضب إن لم يسأل .
قال e ( من لم يسأل الله يغضب عليه ) رواه ابن ماجه .
وينبغي حضور القلب ورجاء الإجابة .
وقد روي عن النبي صلّى الله عليه و سلّم أنه قال ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، فإن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه ) .
ولا يستعجل الإجابة .
قال صلّى الله عليه و سلّم ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي ) متفق عليه .
وأن يعزم المسألة .
قال صلّى الله عليه و سلّم ( لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ، ولكن ليعزم المسألة ، فإن الله لا يتعاظمـــه شيء ) متفق عليه .
وللداعي إحدى ثلاث :
قال صلّى الله عليه و سلّم ( ما من مسلم يدعو بدعوة ليس له فيها إثم أو قطيعــة رحم ، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوتــه ، وإما أن يدخرهــا له في الآخــرة ، وإما أن يكشف عنه من السوء مثلها ) رواه أحمد .
السبب الثاني
وهـــو الاســـــــــــتغفــار .
وهـــو الاســـــــــــتغفــار .
وهو طلب المغفرة ، والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها .
وقد أمر الله به .
قال تعالى } واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً { .
وقال تعالى } واستغفر لذنبك { .
ومن أسماء الله : الغفور ، والغفار .
قال تعالى } نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم { .
وقال تعالى } ألا هو العزيز الغفار { .
مهما عظمت ذنوب الإنسان فإن الله يغفرها لمن تاب .
قال تعالى } إن ربك واسع المغفرة { .
والأنبياء وأهل الفضل يطلبون المغفرة من الله .
قال تعالى عن نوح } رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات { .
وقال الخليل } والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين { .
وقال موسى } قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له { .
ومدح المستغفرين .
فقال تعالى } والمستغفرين بالأسحــار { .
والنبي صلّى الله عليه و سلّم كان يكثر من الاستغفار .
قال صلّى الله عليه و سلّم ( والله إني لأستغفر الله وأتـــوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) رواه البخاري .
وللاستغفـــار فوائد :
أولاً : تكفير السيئات ورفع الدرجات .
قال تعالى } ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً { .
وفي الحديث القدسي ( قال الله : من يستغفرني فأغفر له .. ) متفق عليه .
وتقدم قوله تعالى في الحديث القدسي ( فاستغفروني أغفر لكم ) رواه مسلم .
ثانياً : سبب لسعـة الرزق والإمداد بالمال والبنين .
قال تعالى عن نوح أنه قال لقومه } فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل أنهاراً {.
ثالثاً : سبب لحصول القوة في البدن .
قال هود لقومه } ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليـــه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكـــم قوة إلى قوتكــم ولا تتــــولوا مجرمين { .
رابعاً : سبب لدفع المصائب ورفع البلايا .
قال تعالى } وما كان الله معذبهـــم وهم يستغفرون {.
خامساً : سبب لبياض القلب .
قال صلّى الله عليه و سلّم ( إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتــة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبــه ) . رواه أحمد
من أقوال السلف :
قال بعض العلماء : ” طوبى لمن وجد في صحيفتــه استغفاراً كثيراً “ .
وكان ابن عمر : يطلب من الصبيان الاستغفار ويقول : إنكم لم تذنبـــوا .
وقال قتادة : ” إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم فالذنــــوب ، وأما دواؤكم فالاستغفـــار “ .
وللاستغفار صيغ منها :
- ( سيد الاستغفار : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) رواه البخاري .
- ( رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وجدي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير ) متفق عليه .
- ( رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيــم ) .
السبب الثالث
التوحيد ، وهو السبب الأعظم .
التوحيد ، وهو السبب الأعظم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” الإنسان إذا أذنب ذنوباً عظيمــة ثم لقي الله لا يشرك به شيئاً غفر الله له ، ولكن هذا ليس على عمومـــه لقوله تعالى } إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء { ، فقوله هنا في الحديث ( لأتيتك بقرابها مغفرة ) هذا إذا شاء ، وأما إذا لم يشأ فإنه يعاقب بذنبه “ .
فضائل التوحيد :
أولاً : سبب لمغفرة الذنوب .
كما في حديث الباب .
ثانياً : سبب للنجاة من الشدائد .
قال تعالى } فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركــــون { .
ثالثاً : سبب لدخول الجنة .
قال صلّى الله عليه و سلّم ( من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخــل الجنــة ) رواه مسلم .
رابعاً : لأهل التوحيد الأمن والاهتداء .
قال تعالى } الذين آمنوا ولم يلبســـوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون { .
لم يلبسوا : لم يخلطوا . إيمانهم : توحيدهم .
بظلم : المراد به الشرك كما فسره النبي صلّى الله عليه و سلّم بذلك .
2- التحذير من الشرك ( وقد سبقت خطورته في الحديث ) .
3- أنه لا يسلم أحد من الذنوب .
4- وجوب الإيمان بلقاء الله ، لقوله ( لقيتني ) .
وقد قال تعالى } فمن كان يرجو لقاء الله فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً { .
وقال تعالى } يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيــه { .
فملاقيه : أي ملاقي ربك ، وقيل : ملاقي عملك .
تم الشرح ولله الحمد والمنــة