الحديث السابــع
عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه ، أن النبي صلّى الله عليه و سلّم قال : “ الدين النصيحة ” .
قلنا : لمن ؟
قال : “ لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ” . رواه مسلم 55
---------------------------------------------------------
معاني الكلمات :
النصيحة : كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للمنصوح له .
أئمة المسلمين : حكامهم .
عامتهم : سائر المسلمين غير الحكام .
الفوائد .
1- أهمية النصيحــة في ديننا الإسلامي .
2- فضيلة النصيحــة وأنها الدين .
وللنصيحة فضائل :
أولاً : أنها مهمة الرسل .
قال تعالى إخباراً عن نوح : ] أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم [ .
ثانياً : أن منزلتها عظيمة .
كما في حديث الباب .
ثالثاً : أنها من علامات كمال الإيمان .
كما قال صلّى الله عليه و سلّم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .
رابعاً : أنها من حقوق المسلم على أخيه المسلم .
قال صلّى الله عليه و سلّم : ( للمؤمن على المؤمن ست خصال : ... وينصح له إذا غاب أو شهد ) .
3- النصيحة تكون لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
فالنصيحة لله : تكون بالإيمان به ، ونفي الشريك عنه ، وترك الإلحاد في صفاته ، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها ، وتنزيهه سبحانه وتعالى عن جميع النقائص ، والقيام بطاعته ، واجتناب معاصيه .
والنصيحة لرسوله : تكون بتصديق رسالته ، والإيمان بجميع ما جاء به ، وطاعته في أمره ونهيه ، ونصرته حياً وميتاً ، ومعاداة من عاداه ، وموالاة من والاه ، وإعظام حقه وتوقيره ، وإحياء طريقته وسنته ، وبث دعوته ونشر شريعته .
والنصيحة لأئمة المسلمين : تكون بمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه ، وأمرهم به وتذكيرهم برفق ولطف ، وإعلامهم بما غفلوا عنه ، وترك الخروج عليهم ، وتألف قلوب الناس لطاعتهم ، وأن يدعى لهم بالصلاح .
والنصيحة لعامة المسلمين : تكون بإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم ، وكف الأذى عنهم ، وتعليم ما يجهلونه من دينهم ، ويعينهم عليه بالقول والفعل ، وستر عوراتهم ، وسد خلاتهم ، ودفع المضار عنهم ، وجلب المنافع لهم ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكــر برفق وإخلاص ، والشفقة عليهم ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ، ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه .
4- ينبغي أن تسود النصيحة بين المسلمين ، فإنها من أعظم مكملات الإيمان .
سئل ابن المبارك : أي الأعمال أفضل ؟ قال : النصح لله .
وقال الفضيل : ” المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير “ .
وقال أيضاً : ” ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام ، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس ، وسلامة الصدور ، والنصح للأمة “ .
قال أبو بكر المزني : ” ما فاق أبو بكر أصحاب رســول الله بصوم ولا بصلاة ، ولكن بشيء كان في قلبه . . قال ابن علية : الذي كان في قلبه الحب لله عز وجل والنصيحة في خلقه “ .
وقال أبو الدرداء : ” إن شئتم لأنصحن لكم : إن أحب عباد الله إلى الله ، الذين يحبّبون الله تعالى إلى عباده ويعملون في الأرض نصحاً “ .
وقال حكيم : ” ودّك من نصحـــك “ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” فإن المؤمن للمؤمن كاليدين تغســل إحداهما الأخــرى “ .
5- لقد طبق الصحابة رضوان الله عليهم هذا الحديث وعملــوا به .
ذكر النووي في شرح مسلم : ” أن جريراً أمر مولاه أن يشـتري له فرساً ، فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن ، فقال جرير لصاحب الفرس : فرسك خير من ثلاثمائة درهم ، أتبيعه بأربعمائة درهم ؟ قال : ذلك إليك يا أبا عبد الله . فقال : فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم ؟ ثم لم يزل يزيد مائة فمائة وصاحبه يرضى وجرير يقول فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة درهم فاشتراه بها . فقيل له بذلك فقال : إني بايعت رسول الله e على النصح لكل مسلم “ .
هكذا يفعل صحابة الرسول e في النصح للمسلمين في أمور دينهم ودنياهم ولنا فيهم أسوة ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [ . (الممتحنة:6)
6- ومن أعظم النصـــح أن ينصح لمن استشـــاره في أمره .
كما قال e : ( إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصــحه ) .
وكذلك النصح في الدين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” ثبت في الصحيح أن النبي e قالت له فاطمة بنت قيس : قد خطبني أبو جهم ومعاوية ، فقال لها : أما أبو جهم فرجل ضراب للنساء ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له ، فبين النبي e حال الخاطبين للمرأة ، فإن النصــح في الدين أعظم من النصح في الدنيا ، فإذا كان النبي e نصح المرأة في دنياها فالنصيحة في الدين أعظم “ .
7- ينبغي أن تكون النصيحة برفق وأن تكون سراً .
قال الشافعي : ” من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه “ .
قال الشاعر :
تغمدني بنصحك في انفرادي وجنّبي النصيحة َ في الجماعة
فإن النصــــــــحَ بين الناسِ نوعٌ من التوبيخِ لا أرضى اســتماعه