حقيقته
قبل التحدث عن مشروعية سجود الشكر من حيث الأدلة نعرِّج على تعريفه في اللغة و في الاصطلاح .
أما الشكر في اللغة فهو بمعنى الثناء على الانسان أو المحسن بم أولاكه من المعروف و قد شكَره يشكُره بالضم (شكرا) و (شُكرانا) و يقال شكَره و شكَرله و هو بالام أفصح و به جاء القرأن1 .
و عرَّفه الجرجاني2 : بأنه الوصف بالجميل على جهة التعظيم والتبجيل على النعمة من اللسان و الجنان و الأركان .
و الشكر في الشرع : هو مقابلة النِّعمة بالقول و الفعل و النيَّة ، فيثني على المنعم بلسانه و يذيب نفسه في طاعته و يعتقد أنه موليها وهو من شكِرات الإبل تَشكَر إذا أصابت مرعى فسمِنت عليه3 .
فالشكر ثلاثة أضرب :
ـ شكر القلب و هو تصوُّر النعمة
ـ شكر اللسان و هو الثناء على المنعم
ـ شكر الجوارح وهومكافأة النعمة بقدر استحقاقه لقوله تعالى (( اعملوا آل داود شكرا ))
فشكرا قيل منصوب على التمييز فيكون معناه : اعملوا ما تعملونه شكرا لله تعالى .
وقيل منصوب على أنه مفعول لقوله اعملوا و ذُكِر اعملوا ولم يقل اشكروا لينبه على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح1 .
والشكر مثل الحمد إلا أنَّ الحمد أعمُّ منه فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة و على معروفه و لا تشكره إلا على معروفه دون صفاته .
و الشكر معدود من بين شعب الايمان2 لأنه يقابله الكفر كما قال تعالى : (( لئن شكرتم لأزيدنكم و لئن كفرتم إنَّ عذابي لشديد ))
سورة إبراهيم آية 7
و قال : (( و اشكروا لي و لا تكفرون ))
و في الأثر في تفسيرحق التقوى : أن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفرو أن يطاع فلا يُعصى .
مشروعيته :
الأصل في مشروعية سجود الشكر فعله صلى الله عليه و سلم كما روى أبو داود في سننه ( 2774) و الترمذي في السنن (1578)و ابن ماجه في السنن (1394) و البيهقي في السنن ( 2/370) عن أبي بكرة رضي الله عنه : ((أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أتاه أمر يُسرُّ به خرَّ لله ساجدا )) هذا لفظ الترمذي و عند أبي داود و ابن ماجه زيادة شاكرا لله تعالى و قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث بكار بن عبد العزيز .
و بكار هذا ضعيف قال الحافظ عنه : صدوق يهم و الحسن لشواهده كما في الإرواء للشيخ الألباني رحمه الله (2/226)
و من هذه الشواهد ما يلي :
1)ما رواه ابن ماجه (1392) عن أنس بن مالك رضي الله عنه (( أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم بُشِّر بحاجة فخرَّ ساجدا )) .
قال الشيخ رحمه الله : إسناده لا بأس في الشواهد رجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه سيء الحفظ .
2) ما رواه أحمد في المسند (1/191) و الحاكم في المستدرك (1/550) والبيهقي في السنن (2/371) عن عبد الرحمن بن عوف أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( إنِّي لقيت جبريل عليه السلام فبشرني و قال : إنَّ ربَّك يقول لك : من صلى عليك صليتُ عليه ومن سلَّم عليك سلَّمتُ عليه فسجدتُ لله شكرا ))
و قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال الشيخ رحمه الله : حديث حسن.
1)ما رواه البيهقي في السنن (2/369) و أصله في البخاري عن البراء بن عازب أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم بعث علي بن أبي طالب إلى اليمن …. في حديث طويل ، ثم قال في آخره : فكتب علي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بإسلامهم فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم الكتاب خرَّ ساجدا ثم رفع رأسه فقال : السلام على همدان السلام على همدان .
قال البيهقي : و سجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه وقال الشيخ الألباني رحمه الله : و بالجملة فلا يشك عاقل في مشروعية سجود الشكر بعد الوقوف على هذه الأحاديث لا سيما و قد جرى العمل عليها من السلف رضي الله عنهم .
و أما ما ثبت عن بعض الصحابة من ذلك منها :
ـ ما رواه البيهقي في السنن (2/371) و ابن أبي شيبة في المصنف
( 2/123)(( أنَّ أبا بكر لما فتح اليمامة سجد )) ، قال الشيخ الألباني رحمه الله : رجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل الذي لم يُسم
ـ ما رواه أحمد في المسند (1/107) ( أنَّ عليا سجد حين وجد ذا الثدية في الخوارج) . حسنه الألباني
ـ ما رواه ابن ماجه في السنن (1393) عن كعب بن مالك قال : لما تاب الله عليه خرَّ ساجدا . صححه الألباني كما في الإرواء (2/229ـ231)
حكم سجود الشكر :
قال الامام البغوي رحمه الله1 : سجود الشكر سنة عند حدوث نعمة طامل كان ينتظرها أو اندفاع بلية ينتظر انكشافها أورؤية مبتلى بعلة أو معصية .
وإلى سنيتها ذهب أحمد و العترة و به قال الشافعي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذرو قال النخعي ومالك و أبوحنيفة يُكره لأنَّ النعم كانت متعددة على النبي صلى الله عليه وسلم و السلف وأعظمها الهداية و الايمان و لو كانت سنة لواظب عليها فكانت تكون متواترة2 .
شروط سجود الشكر :
الكلام في شروط سجود الشكر كالكلام في شروط سجود التلاوة سواء و قد تقدم .
حكم سجود الشكر في الصلاة
قال ابن قدامة رحمه الله 1: و لا يسجد للشكر و هو في الصلاة لأن سبب السجدة ليس منها ، فإن فعل بطلت صلاته إلا أن يكون ناسيا أو جاهلا بتحريم ذلك فلا يبطلها لأنه عمل غير كثير فأشبه ما لو زاد سجود ا في الصلاة سهوا .
وقال الشوكاني رحمه الله 2: قال الإمام يحي : و لا يسجد للشكر في الصلاة قولا واحدا إذ ليس من توابعها .
إلى هنا تمت الرسالة و لله الحمد و المنة
1 أنظر مختار الصحاح (ص147) تهذيب الأسماء و اللغات (1/1/166 ) مجمل اللغة ( 1/2/510)
2 التعريفات (ص128)
3 النهاية في غريب الحديث ( 2/493)
1 أنظر المفردات للراغب الأصفهاني (ص272)
2 شعب الايمان للقصري ( الشعبة الثالثة و الأربعين ) 2/87
1 شرح السنة (2/351)
2 المغني (2/372) الذخيرة (2/416) نيل الأوطار (2/3/120)
1 المغني (2/372)
2 ( نيل الأوطار 3/120)
هذا و الله أعلم في وقت نرى البعض يستهزءون بالله و آياته من حيث لا يشعرون يسجدون لله على أمور تافهة يسجدون لأنّ جلدا منفوخا دخل بين ثلاث خشبات يسجدون لربّ العزّة وهم عرايا كاشفين على عوراتهم الله المستعان و لا حول و لا قوّة الاّ بالله