الحديث الثامن عشر
عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال ( اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) رواه الترمذي وقال حديث حسن .
---------------------------------------------------------
معاني الكلمات :
اتق الله : أي اجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه .
حيثما كنت : أي في أي مكان وأي زمان كنت فيه .
خالق الناس : أي عامل الناس .
بخلق حسن : الخلق الحسن هو فعل الفضائل وترك القبائح .
الفوائد :
1- وجوب تقوى الله عز وجل لقوله : اتق الله .
والتقوى : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيــه .
وقال علي : وقد سئل عن التقوى فقال : ” هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيــل ، والقناعــة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيــل “ .
وقال بعضهم : تقوى الله تعالى ألا يراك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك .
2- وجوب تقوى الله في السر والعلن لقوله : اتق الله حيثما كنت ، حيث يراه الناس وحيث لا يرونه .
وكان النبي صلّى الله عليه و سلّم يقول في دعائه : ( أسألك خشيتك في الغيب والشهادة ) .
وخشية الله في الغيب والشهادة من المنجيات ، كما قال صلّى الله عليه و سلّم ( ثلاث منجيات ، وذكر منها : خشية الله في السر والعلن ) .
وقال الشافعي : ” أعز ثلاثة : الجود من قلة ، والورع في خلوة ، وكلمة الحق عند من يرجى أو يخاف “ .
وكان الإمام أحمد ينشد :
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوتُ ولكنْ قل عليّ رقيب .
ولا تحسبــنّ اللهَ يغفلُ ساعةً ولا أن ما يخفى عليه يغيـبُ .
قال ابن رجب رحمه الله :
” وفي الجملة ، فتقوى الله في السر هو علامــة كمال الإيمان ، وله تأثيــر عظيم في إلقــاء الله لصاحبـــه الثناء في قلوب المؤمنين “ .
3- فضائل وثمرات التقوى :
أولاً : أنها سبب لتيسير الأمور .
قال تعالى : ] ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً [.
ثانياً : أنها سبب لإكرام الله .
قال تعالى : ] إن أكرمكم عند الله أتقاكــم [ .
ثالثاً : العاقبة لأهل التقوى .
قال تعالى : ] والعاقبة للمتقين [ .
رابعاً : أنها سبب في دخول الجنة .
قال تعالى : ] وأزلفت الجنة للمتقين [ .
خامساً : أنها سبب لتكفير السيئات .
قال تعالى : ] ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً [ .
سادساً : أنها سبب لحصول البشرى لهم .
قال تعالى : ] الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا [ .
سابعاً : أنها سبب للفوز والهداية .
قال تعالى : ] ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائــــــزون [ .
ثامناً : أنها سبب للنجاة يوم القيامة .
قال تعالى : ] ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً [ .
تاسعاً : أنها سبب لتفتيح البركات من السماء والأرض .
قال تعالى : ] ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [ .
عاشراً : أنها سبب للخروج من المأزق .
قال تعالى : ] ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقــه من حيث لا يحتســـب [ .
الحادي عشر : أنها سبب لمحبة الله .
قال تعالى : ] إن الله يحب المتقين [ .
4- أن الحسنات يذهبن السيئـــات لقوله : وأتبع السيئة الحسنة تمحهــا .
وقد قال تعالى : ] إن الحسنات يذهبن السيئات [ .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأسباب العشر التي تندفع بها عقوبة السيئات فقال :
” والمؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب :
أن يتوب فيتوب الله عليه ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له _ أو يستغفر فيغفر له _ أو يعمل حسنات تمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات _ أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حياً وميتاً _ أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعــه الله به _ أو يشفع فيه نبيه محمد عليه الصلاة والسلام _ أو يبتليــه الله تعالى في الدنيا بمصائب تكفر عنه _ أو يبتليــه في البرزخ بالصعقــة فيكفر بها عنه _ أو يبتليــه في عرصات القيامــة من أهوالها بما يكفر عنه ، أو يرحمـــه أرحم الراحمين ، فمن أخطأته هذه العشر فلا يلومــنّ إلا نفســـه “ .
5- الحث على مخالقــة الناس بخلق حسن .
قال ابن رجب رحمه الله : ” هذا من خصال التقوى ، ولا تتـــم التقوى إلا به ، وإنما أفرد بالذكر للحاجــة إلى بيانــه ، فإن كثيراً من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده ...... إلى أن قال : والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جداً ، ولا يقوى عليه إلا الكمــل من الأنبياء والصديقين “ .
6- فضائل حسن الخلق :
أولاً : أنه من أسباب دخول الجنة .
فقد سئل رسول الله e عن أكثر ما يدخل الجنة فقال : ( تقوى الله وحسن الخلق ) . رواه الترمذي
ثانياً : أنه أثقل شيء في الميزان .
قال صلّى الله عليه و سلّم : ( ما من شيء أثقل في الميزان يوم القيامة من حسن الخلق ) . رواه الترمذي
ثالثاً : أن حسن الخلق من كمال الإيمان .
قال صلّى الله عليه و سلّم : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ) . رواه أحمد
رابعاً : أن النبي صلّى الله عليه و سلّم حصر دعوته في حسن الخلق .
قال صلّى الله عليه و سلّم : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) . رواه أحمد
خامساً : يدرك المؤمن بحسن خلقه درجة الصائم القائم .
قال صلّى الله عليه و سلّم : ( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) . رواه أبو داود
سادساً : بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه .
قال صلّى الله عليه و سلّم : ( أنا زعيم بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ) . رواه أبو داود
زعيم : ضامن .
سابعاً : أقرب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم صاحب الخلق الحسن .
قال e : ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقاً ) . رواه الترمذي
ثامناً : جعله من خصال التقوى .
قال تعالى : ] ... أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين [ .
قال الحسن : ” حسن الخلق : الكرم ، والبذلة ، والاحتمال “ .
وقال ابن المبارك : ” هو بسط الوجــه ، وبذل المعروف ، وكف الأذى “ .
وسئل سلام بن أبي مطيع عن حسن الخلق فأنشد شعراً فقال :
تــــــــراه إذا ما جئـــتَـــــــــــــه متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله .
ولو لم يكن في كفه غيرُ روحهِ لجاد بها فليتق اللهَ ســـــــــــــائلُه .هو البحرُ من أي النواحي أتيــتَــه فلجـتــه المعروفُ والجودُ ساحلُه