الحديث الثالث والعشرون
عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن _ أو تملآ _ ما بين السماء والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائــع نفسه فمعتقها أو موبقها ) .
---------------------------------------------------------
معاني الكلمات :
الطهور : بالضم الفعل وبالفتح الماء ، والمراد به الوضوء ، سمي طهوراً لأنه يطهر الأعضاء .
شطر : نصف .
الإيمان : قيل : المراد به الصلاة كما قال تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) وقيل : المراد به الوضوء المعروف .
الحمد لله : الثناء على الله مع المحبة والتعظيم .
سبحان الله : التسبيح تنزيه الله عن النقائص والعيوب ومشابهة المخلوقين .
يغدو : يذهب باكراً .
معتقها : مخلصها .
موبقها : مهلكها .
الفوائد :
1- فضل الوضوء ، وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضله :
عن عثمان . قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ( من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره ) رواه مسلم .
وللنسائي ( من أتم الوضوء كما أمره الله ، فالصلوات كفارات لما بينهــن ) .
وعن أبي هريرة . قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء .. ) رواه مسلم .
وعن عقبة بن عامر . قال : قال رسول الله e ( ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة ) رواه مسلم .
2- فضل كلمة [ الحمد لله ] حيث أنها تملأ الميزان .
وقد اختلف في معنى [ تملأ الميزان ] :
فقيل : أنه ضرب مثل ، وأن المعنى لو كان الحمد جسماً لملأ الميزان .
وقيل : بل الله عز وجل يمثل أعمال بني آدم وأقوالهم صوراً ترى يوم القيامة وتوزن .
3- فضل قول : سبحان الله والحمد لله حيث أنهما تملآن ما بين السماء والأرض . وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل هذه الكلمات :
قال e ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله العظيم ، سبحان الله وبحمده ) متفق عليه .
وقال e ( لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ) رواه مسلم
وقال e ( أحب الكلام إلى الله أربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا يضرك بأيهــن بدأت ) رواه أحمد .
وقال e ( لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال يا محمد : أقرىء أمتك مني السلام ... وأنها قيعان ، وأن الجنة طيبة التربة .. وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) رواه الترمذي .
4- إثبات الميزان ، وفيه مباحث :
أولاً : تعريفه : هو ميزان حقيقي له كفتـــان .
ثانياً : أدلة ثبــوته :
قال تعالى : } ونضع الموازين القسط ليوم القيامة { .
وقال تعالى : } فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون { .
وحديث الباب ( .. تملأ الميزان .. ) .
والحديث السابق ( كلمتان ثقيلتان في الميزان ... ) .
ثالثاً : ما الذي يوزن ؟
وردت نصوص تدل على أن الذي يوزن هو العمل :
كحديث الباب ( والحمد الله تملأ الميزان ) .
وحديث ( كلمتان ثقيلتان في الميزان .. ) .
ووردت نصوص تدل على أن الذي يوزن هو العامل .
كقوله e في ابن مسعود ( إن ساقيه أثقل من جبل أحد في الميزان ) رواه أحمد .
وقوله e ( إنه ليأتي الرجل السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) متفق عليه .
وورد أن الذي يوزن هي الصحائف :
كحديث البطاقة وفيه ( .... وتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، فلا يثقل مع اسم الله شيء ) رواه الترمذي .
والراجح أن الذي يوزن العمل ، وقد يوزن معه الصحف أو العامل .
رابعاً : هل هو ميزان واحد أم متعدد ؟
وردت نصوص تدل على أنه متعدد :
كقوله تعلى ( ونضع الموازين القسط ... ) وقوله تعالى ( فمن ثقلت موازينــه ) .
ووردت نصوص بالإفراد :
كقوله e ( كلمتان ثقيلتان في الميزان ) .
والراجح أنه ميزان واحد ، لكنه متعدد باعتبار الموزون .
خامساً : قال القرطبي : ” قال العلماء : إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبـــة ، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديره ليكون الجزاء بحسبها “ .
5- فضل الصلاة وأنها نور .
قال تعالى } إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر { .
فهي نور في الدنيا كما قال تعالى } سيماهم في وجوههم من أثر السجود { .
وهي نور يوم القيامة ، قال e ( من حافظ عليها [ أي الصلاة ] كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف ) رواه أبو داود .
6- أن الصدقة دليل وبرهان على صحة إيمان صاحبها ، والسبب في ذلك أن المال محبوب للنفـــوس ، فإذا أنفقت منه فهذا دليل على صحة إيمانها بالله وتصديقها بوعده ووعيده .
وللصدقة فضائل كثيرة منها :
أولاً : أنها برهان على صحة الإيمان .
كما في حديث الباب .
ثانياً : أنها تطهير للنفس .
قال تعالى } خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم { .
ثالثاً : أنها مضاعفة للحسنات .
قال تعالى } مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء { .
رابعاً : أنها تغفر الذنوب .
قال e ( والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار ) رواه الترمذي .
خامساً : درجة الجنة لا تنال إلا بالإنفاق .
قال تعالى } لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبــــون { .
سادساً : أنها أمان من الخوف يوم الفزع الأكبر .
قال تعالى } الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراُ وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنـــون { .
سابعاً : صاحب الصدقة موعود بالأجر الكبير .
قال تعالى } فالذين آمنوا وأنفقوا لهم أجر كبير { .
ثامناً : أن الله يخلف الصدقة .
قال تعالى } وما أنفقتم من شيء فهو يخلفــه { .
تاسعاً : أن الصدقة تزيد المال .
قال e ( ما نقصت صدقة من مال ) رواه مسلم .
عاشراً : أنها تظلل صاحبها يوم القيامة .
قال e ( العبد في ظل صدقته يوم القيامة ) رواه أحمد .
7- ذم البخــل .
8- فضل الصبر .
قال ابن رجب : ” ولما كان الصبر شاقاً على النفوس ، يحتاج إلى مجاهدة النفس ، وحبسها وكفها عما تهواه ، كان ضيــــاء ، فلا نجاح في الدنيا ولا فلاح في الآخــرة إلا بالصبر “ .
قال الغزالي : ” فلنسمِ هذه الصفة التي بها فارق الإنسانَ البهائم في قمع الشهوات وقهرها [ باعثاً دينياً ] ولنسمِ مطالبة الشهوات بمقتضياتها [ باعث الهوى ] وليفهم أن القتال قائم بين باعث الدين وباعث الهوى ، والحرب بينهما سجال ، ومعركــة هذا القتال قلب العبد ، ومدد باعث الدين من الملائكة الناصرين لحزب الله تعالى ، ومدد باعث الشهوات من الشياطين الناصرين لأعداء الله تعالى ، فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة ، فإن ثبت حتى قهره واستمر على مخالفة الشهوة فقد نصر حزب الله ، والتحق بالصابرين ، وإن تخاذل وضعف حتى غلبتـــه الشهوة ولم يصبر في دفعها التحـــق بأتباع الشياطين “ .
- والصبر ثلاثة أنواع :
صبر على الطاعات – وصبر عن معاصي الله – وصبر على أقدار الله المؤلمـة .
والصبر على الطاعات وعن المحرمات أفضل من الصبر على الأقدار المؤلمـة .
9- أن القرآن إما أن يكون حجة للإنسان أو حجة عليه .
يكون حجة للإنســان : إذا اتبــع أوامــره وانتهى عند نواهيــه وعمل به وأقام حدوده .
ويكون حجة على الإنسان : إذا ترك أمره ووقع في نواهيــه وأعرض عنه .
قال تعالى ] وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمــة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً [ .
قال ابن مسعود : ” القرآن شافع ومشفع ، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلف ظهره قاده إلى النار “ .
10- التحذير من الإعراض عن القرآن .
11- أن كل إنسان إما ساعٍ في هلاك نفسه أو فكاكها .
فمن سعى في طاعة الله فقد باع نفسه لله ، وأعتقها من عذابه ، ومن سعى في معصية الله فقد باع نفسه بالهوان وأوبقها بالآثــام الموجبة لغضب الله وعقابــه .
قال الحسن : ” المؤمن في الدنيا كالأسير يسعى في فكاك رقبته ، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله “ .
وقال : ” ابن آدم ! إنك تغدو وتروح في طلب الأرباح ، فليكن همك نفسك ، فإنك لن تربح مثلها أبداً “ .
وقال أبو بكر بن عياش : ” قال لي رجل مرة وأنا شاب : خلّص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخـــــــــــــرة ، فإن أسير الآخــرة غير مفكوك أبداً ، قال : فوالله ما نسيتها بعد “ .
وكان بعض السلف يبكي ويقول : ” ليس لي نفسان ، إنما لي نفس واحدة ، إذا ذهبت لم أجد أخرى “ .
12- مجاهدة النفس على العمــل الصالح .
13- التحذير من الأعمال السيئــة .