الحديث الرابع والثلاثون
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم .
-----------------------------------------------------
معاني الكلمات :
منكراً : كل ما نهى عنه الله ورسوله .
فليغيره : فليزله .
الفوائد :
1- الأمر بتغيير المنكــر .
وقد اختلف العلماء في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قولين :
القول الأول : أنه واجب .
لحديث الباب ( فليغيره .. ) وهذا أمر ، والأمر يدل على الوجوب .
القول الثاني : أنه فرض كفاية .
وهذا مذهب أكثر العلماء .
لقوله تعالى } ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحــون { .
قالوا : إن [ من ] في قوله ( منكم ) للتبعيض .
قال ابن قدامة : ” في هذه الآية بيان أنه فرض على الكفاية لا فرض عين ، لأنه قال [ ولتكن منكم ] ولم يقل كونـــــوا كلكم آمرين بالمعروف “ .
وهذا القول هو الصحيح .
لكن هناك أحوال يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين :
أولاً : التعيين من قبل السلطان .
ثانياً : التفرد بالعلم بأن معروفاً قد ترك ، أو منكراً قد ارتكب .
قال النووي : ” إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية ، ثم إنه قد يتعين إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هــو “ .
ثالثاً : انحصار القدرة في أشخاص محددين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره “ .
2- وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضائل وثمرات كثيرة ، منها :
أولاً : مهمة الرسل .
قال تعالى } ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت { .
ثانياً : من صفات المؤمنين .
قال تعالى } والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله .. { .
ثالثاً : أن خيرية الأمة مناطة بهذه الشعيرة .
قال تعالى } كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله { .
رابعاً : من أوصاف سيد المرسلين .
قال تعالى } الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث { .
خامساً : من خصال الصالحين .
قال تعالى } ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين { .
سادساً : من أسباب النصر .
قال تعالى } ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور { .
سابعاً : من أسباب النجاة .
قال تعالى } أنجينا الذين ينهـــون عن السوء { .
3- خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
أولاً : أن ذلك من صفات المنافقين .
قال تعالى } المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهــم { .
ثانياً : نزول البلاء والعذاب .
قال صلّى الله عليه و سلّم ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ) رواه أبو داود .
ثالثاً : عدم استجابة الدعاء .
قال صلّى الله عليه و سلّم ( لتأمرن بالمعروف ولتنهـون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم ) رواه الترمذي .
رابعاً : اللعن والإبعاد من رحمة الله .
قال تعالى } لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهــون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون { .
من أقــــــوال السلف :
قال الثوري : ” إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن ، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافقين “ .
وقال علي : ” أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فإذا لم يعرف القلب المعروف ولم ينكر المنكر نكِّس ، فجعل أعلاه أسفله “ .
وقال أبو الدرداء : ” لتأمرن بالمعروف ولتنهـن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطاناً ظالماً لا يجل كبيركم ، ولا يرحم صغيركم “ .
وقال حذيفة عندما سئل عن ميت الأحياء : ” الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبـــه “ .
وقال سفيان : ” إني لأرى المنكر فلا أتكلم فأبول دماً “ .
وقال إسماعيل بن عمر : ” من ترك الأمر بالمعروف خوف المخلوقين ، نزعت منه الهيبــة ، فلو أمر ولده لا ستخــف به “ .
4- في هذا الحديث بيان كيفية تغيير المنكــر ودرجاته :
أولاً : التغيير باليد .
- ويشترط للتغيير باليد أن يكون مستطيعاً ، فإن لم يستطع كأن يخاف أن يترتب على ذلك منكراً أعظم أو مفسدة كبرى ، فإنه لا يغير بيده .
- بدأ بتغيير المنكر باليد ، لأنه أقوى درجات الإنكار ، لأنه إزالة للمنكر بالكلية وزجر عنه .
ثانياً : التغيير باللسان .
- كالتذكير والترغيب والترهيب والوعظ .
- إذا لم يستطع التغيير باللسان لوجود مانع ، فإنه لا يغير بلسانه .
ثالثاً : التغيير بالقلب .
- وهذه واجبة على الجميع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” فأما القلب فيجب بكل حال ، إذ لا ضرر في فعله ، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن ، كما قال النبي صلّى الله عليه و سلّم ( وذلك أدنى أو أضعف الإيمان ) ، وقال ( ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) “ .
وقيل لا بن مسعود : ” من ميت الأحياء ؟ فقال : الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً “ .
5- أن من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الاستطاعة .
وهذا الشرط مأخوذ من قواعد الشريعــة العامة ، من عدم تكليف المسلم ما لا يطيق .
قال تعالى } لا يكلف الله نفساً إلا وسعها { .
قال ابن كثير : ” أي لا يكلف أحداً فوق طاقته وهذا من لطفه بخلقه ورأفتــه بهم وإحسانه إليهــــم “ .
وقال تعالى } فاتقـــوا الله ما استطعتــم { .
وفي حديث الباب ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع ... ) .
6- من شروط الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر :
أولاً : أن يكون بعلم .
فلا بد من العلم بالمنكر والمعروف ، ولا بد من العلم بحال المأمور وحال المنهي .
قال عمر بن عبد العزيز : ” من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح “ .
ثانياً : أن يكون رفيقاً .
كما قال صلّى الله عليه و سلّم ( ما كان الرفق في شيء إلا زانــه ) رواه مسلم .
ثالثاً : أن يكون حليماً صبوراً على الأذى ، فإنه لا بد أن يحصل له أذى .
كما قال لقمان لابنه } وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمـــــــــــــــور { .
وقال تعالى } واصبر على ما يقولون { .
وقال تعالى } فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرســل { .
وهل يشترط أن يكون عدلاً ؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : يشترط ذلك .واستدلوا :
بقوله تعالى } أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب { .
وهذه الآية ذم لهم .
وبقوله تعالى } يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلــون { .
وبحديث أنس . قال : قال e ( رأيت ليلة أســري بي رجالاً تقرض شــفاههم بمقاريض من نار ، قال : فقلت من هؤلاء : قال : هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ) رواه أحمد .
القول الثاني : لا يشترط ذلك . واستدلوا :
بقوله e ( إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) متفق عليه .
وبعموم الآيات والأحاديث الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ولأن اشتراط العدالة سد لباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
قال سعيد بن جبير : ” إن لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر إلا من لا يكون فيه شيء لم يأمر أحد بشيء “ .
وهذا القول هو الصحيح .
فائدة :
قال ابن القيم رحمه الله :
” إنكار المنكر له أربــع درجــات :
الأولى : أن يزول ويخلفــه ضده .
الثانية : أن يقل وإن لم يزل من جملته .
الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله .
الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه .فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثــة موضع اجتهاد ، والرابعــة محرمــة “