رسالة إلى مغتاب
أيها المغتاب:
يا من يذكر أخاه المسلم بما يكره أن يذكر به...
يا من غفل عن خطر اللسان، وعظيم جرمه...
يا من غفل عن الله سبحانه وهو غير غافل عنه...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد: فاتق الله سبحانه وتعالى في أعراض النّاس واحذر الغيبة ظاهرة كانت أو خفية ، فإنّها آفة خطيرة من آفات الّلسان ، ومرض عضال من أمراض المجتمع، ومعصية كبرى حرمها الإسلام ونهى عنها القرآن وحذّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيها من المضار الشخصية ولما يترتب عليها من المفاسد الاجتماعية سواء في أمور الدين أو الدنيا. لذلك كله أحببت أن أسدي لك النصح وأن أوجه إليك هذه الرسالة:
أولاً: تعريف الغيبة: أما الغيبة فقد عرّفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته) [ رواه مسلم ]
ثانيـاً: صـــور الـغيبـة:
قـال ابن تيمية –رحمه الله-: فمن الناس من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره مع علمه أن المغتاب برئ مما يقولون أو فيه بعض ما يقولون لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس واستثقله أهل المجلس ونفـروا عنـه فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة وطيب المصاحبة وقد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم. ومنهم من يخرج الغيبة فى قوالب شتى تارة فى قالب ديانة وصلاح فيقول ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ولا أحب الغيبة ولا الكذب وإنما أخبركم بأحواله يقول والله إنه مسكين أو رجل جيد ولكن فيه كيت وكيت وربما يقول دعونا منه الله يغفر لنا وله وإنما قصده استنقاصه وهضما لجنابه..ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين الغيبة والحسد وإذا أثني على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح أو في قالب حسد وفجور وقدح ليسقط ذلك عنه.ومنهم من يخرج الغيبة فى قالب تمسخر ولعب ليضحك غيره.ومنهم من يخرج الغيبة فى قالب التعجب فيقول تعجبت من فـلان كيف لا يفعل كيت وكيت ومن فـلان وقع منه كيت وكيت وكيف فعل كيت وكيت.. ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر.. {بتصرف}.
[ انظر مجموع الفتاوى (ج/ 28-/ص236..) ]
ثالثـاً: الأعذار المرخصة في الغيبة: اعلم أنَّ الغيبةَ وإن كانت محرّمة فإنها تُباح في أحوال للمصلحة والمُجوِّزُ لهَا غرض صحيح شرعي لا يمكن الوصولُ إليه إلا بها وهو أحد ستة أسباب:
الأوّل: التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية أو له قدرة..
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر وردّ العاصي إلى الصواب..
الثالث: الاستفتاء بأن يقولَ للمفتي : ظلمني أبي أو أخي أو فلان بكذا فهل له ذلك أم لا ؟..
الرابع: تحذير المسلمين من الشرّ ونصيحتهم..
الخامس: أن يكون مُجاهراً بفسقه أو بدعته ..
السادس: التعريف فإذا كان الإِنسان معروفاً بلقب كالأعمش والأعرج والأصمّ والأعمى والأحول والأفطس وغيرهم جاز تعريفه بذلك. فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء مما تُباح بها الغيبة على ما ذكرناه.
[ انظر الأّّذكار للنووي ]
رابعـاً: الأسباب الباعثة على الغيبة:
اعلم عافاك الله إن للغيبة أسباب منها:
تشفي الغيظ: بأَن يجري من إنسان في حق أخر سبب يوجبُ غيظَه، فكلما هاج تَشَفَّى بغيبة صاحبه.
السبب الثاني من البواعث على الغيبة: موافقة الأقران، ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم، فإنهم،إذا كانوا يتفكهون في الأعراض، رأى هذا أنه إذا أنكر عليهم أو قطع كلامهم استثقلوه ونفروا عنه،فيساعدهم ويرى ذلك من حسن المعاشرة.
السبب الثالث: إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره: فيقول: فلان جاهل، وفهمه ركيك، ونحو ذالك،وغرضه أن يثبت في ضمن ذالك فضل نفسه، ويريهم أنه أعلم منه.
وكذلك الحسد في ثناء الناس على شخص وحبهم له وإكرامهم، فيقدح فيه ليقصد زوال ذلك
السبب الرابع: اللعب والهزل، في ذكر غيره بما يضحك الناس به على سبيل المحاكاة، حتى إن بعض الناس يكون كسبه من هذا.
خامساً: الـعـلاج:
وأما علاج الغيبة : فليعلم المغتاب أنه بالغيبة متعرِّض لسخط الله تعالى ومقته وأن حسناته تنقل إلى المغتاب إليه،وإن لم يكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه، فمن استحضر ذلك لم يطلق لسانه بالغيبة. وينبغي إذا عرضت له الغيب يتفكر في عيوب نفسه، ويشتغل با إصلاحها، ويستحي من أن يعيب و هو معيب،كما قال بعضهم:
فإنْ عِبْتَ قوماً بالذي فيك مثله *** فكيف يَعِيبُ الناسَ مَنْ هو أعورُ
وإن ضن أنه سليم من العيوب، فليتشاغل با لشكر على نعم الله عليه، ولا يلوث نفسه بأقبح العيوب وهو الغيبة، وكما لا يرضى لنفسه بغيبة غيره له، فينبغي أن لا يرضاه لغيره من نفسه.
واعلم أن كل ما يفهم منه مقصود الذم، فهو داخل في الغيبة سواء كان بكلام أو بغيره، كالغمز. والإشارة، والكتابة با القلم، فان القلم أحد اللسانين. [ انظر مختصر منهاج القاصدين ]
قال بعض السلف: أدركت أقوماً لم تكن لهم عيوب, فذكروا عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوبا,و أدركنا أقوماً كانت لهم عيوب ,فكفّوا عن عيوب الناس فنسيت عيوبهم.
[انظر جامع العلوم والحكم (ج/1 ص/340 )]
اللهم طهر ألسنتنا من الغيبة ، واجعلنا من الذاكرين لك كثيرًا ، وآخر دعوانا أن لحمد لله رب العالمين.