مقدمة في التفسير
بسم الله الرحمن الرحيم 1- بيـان معنى كلمة التفسير: - في اللغة:الإيضاح والتبيان والكشف من فسر الشيء إذا بان و منه قوله تعالى( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً )(الفرقان:33) أي بياناً.
- في الاصطلاح:قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: هو علم يُفهم به كتاب الله المُنـزل على محمد e وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف والبلاغة وأصول الفقه والقراءات ومعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ.
2-هل هناك فرق بين التفسير و التأويل:
كان السلف يُطلقون التأويل على التفسير ومنه قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ )(يوسف: من الآية101).
- روى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ.
- و قال عزوجل على لسان الخضر عليه السلام (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْه صَبْراً)(الكهف: من الآية82).
- قال الطبري: باب تأويل قوله تعالى في كذا وكذا.
- وكلمة التأويل في أيامنا صار يُراد بها معنى أخر، وهو صرف اللفظ عن ظاهره، فإن كان بدليل فهو محمود وإن كان بغير دليل فهو مردود.
- وقال بعض العلماء كأبي عبيد لا فرق بينهما.
- و بالغ بعضهم كابن حبيب النيسابوري حتى جعلها من أصول علم التفسير.
- ذكر الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن والسيوطي في الإتقان في علوم القرآن: أن التفسير يتعلق بالمفردات والألفاظ أما التأويل يتعلق بالمعاني والجمل.
3-بـيان فضل علم التفسير:
لابد أن نعلم أن أشرف العلوم هي التي تتعلق بالله وبكلام الله وبرسول الله e. - روى أحمد عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ e أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ e عَشْرَ آيَاتٍ فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ.
- روى مالك بلاغا أنّ ابن عمر جمع البقرة في ثماني سنوات.
- روى مالك وغيره عن ابن مسعود قَالَ لِإِنْسَانٍ إِنَّكَ فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَيَقْصُرُونَ الْخُطْبَةَ يُبَدُّونَ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ يُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ وَيَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ يُبَدُّونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ. – جاء في مستدرك الحاكم ومسند أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال خرج رسول الله e على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد. - روى الشيخان عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ أَلِفًا تَجِدُهُ أَمْ يَاءً مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ أَوْ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ، قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَكُلَّ الْقُرْآنِ قَدْ أَحْصَيْتَ غَيْرَ هَذَا، قَالَ إِنِّي لَأَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ، إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ.
- جاء في شعب الإيمان عن القاسم بن الوليد قال عبدالله بن مسعود لا تهذّوا القرآن هذاً الشعر، لا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب.4- آداب و شروط المفسر:
شرط 1: صحة الاعتقاد.
- روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال كنا عند رسول الله e فقال فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله.
شرط 2: التجرد عن الهوى.
شرط 3: أن يفسر القرآن بالقرآن والسنة. ومن تفسير النبي e :
- روى البخاري عن أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ e كَانَتْ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا لَا تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا قَالَتْ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ.
وفسر لنا معنى الظلم في سورة الأنعام قوله تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) (الأنعام:82) ( يلبسوا: يخلطوا، الأمن: في الدنيا، هم مهتدون: في الآخرة )
- روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ بِشِرْكٍ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
- روى أحمد و ابن ماجة عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ e إِنِّي لَأَرْجُو أَلَّا يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا قَالَ أَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا.
شرط4: أن يفسر كلام الله تعالى إذا لم يكن تفسير من كلام الله ولا من السنة بكلام الصحابة.
فالصحابة زيادة على أنهم عرب جمعوا أمرين :
1-حسن الفهم ، لأنّ سوء الفهم يؤدي بك إلى الجهل.
2-حسن القصد ، لأنّ سوء القصد يؤدي بك إلى الظلم.
- روى ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ.
أعظم المفسرين من الصحابة هم الخلفاء الأربعة ثم ابن مسعود و ابن عباس و أبي بن كعب.
- روى البخاري عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيه.
- روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَمَّنِي إِلَيْهِ النَّبِيُّ e وَقَالَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ.
- روى البخاري عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِر.
شرط 5: أن يفسر القرآن إذا لم يكن تفسير من كلام الله ولا السنة ولا كلام الصحابة بتفاسير التابعين خاصة تلاميذ ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب أصحاب المدارس الثلاثة : المدينة، مكة، الكوفة.
- مدرسة مكة كان بها ابن عباس ومن أشهر تلاميذه: مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء بن أبي رباح وطاووس بن كيسان.
- مدرسة الكوفة كان بها ابن مسعود من أشهر تلاميذه: علقمة بن قيس والأسود بن يزيد وقتادة ابن دعائة ومسروق بن الأجدع وعامر الشعبي.
- مدرسة المدينة كان بها أبي بن كعب من تلاميذه: زيد بن أسلم وأبو العالية ومحمد بن كعب القُرظي.
شرط 6: لابد أن يكون المفسر عالماً باللغة العربية عالما بالألفاظ وبأسلوب العرب.
فمثلاً قوله تعالى( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )(آل عمران: من الآية97) ومنهم من يدخله وليسوا آمنين، قال العلماء هذا خبر يراد به الأمر أي أمنوا من دخله
ومثل المجاز الصواب إثباته بشروط قال عزوجل( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم )(الفتح: من الآية10) فنقول إنَّ لله يداً تليق به أما الكيفية لم نُكلف بها، فالعجز عن إدراك الذات لا يُمكن لأجله إنكار الصفات، قال بعضهم اليد هنا بمعنى القدرة، واليد تطلق ويراد بها القدرة والنعمة لكن العلماء يقولون اليد تستعمل بمعنى القدرة والنعمة مفردة أو مجموعة كقول العرب لفلان علي يدٌ أو لفلان علي أيدٍ، والعرب لا تستعمل اليد مثنى وتريد بها النعمة والقدرة فقوله( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ )(صّ:75) مثنى مستحيل أن تكون مراد بها القدرة والنعمة. - جاء في تفسير ابن كثير ج: 1 ص: 7 عن ابن جرير قال ابن عباس التفسير على أربعة أوجه وجه تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله.
شرط 7: العلم بالعلوم المتصلة بالقرآن كالعلم بالناسخ والمنسوخ وعلم القراءات وأسباب النزول وقواعد التفسير. ونظيره ما رواه الترمذي عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّة،ِ رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لَا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ.
شرط 8: دقة الفهم ، سماه الشافعي جودة القريحة.
كقول العلماء في قوله تعالى (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ)(البقرة: من الآية233) فيه دليل على أن الولد يُنسب لأبيه.
قال ابن تيمية: في هذا دليل على أنه من لم تكن له أهلية الإجتهاد وقال في القرآن برأيه فهو آثم.
وهناك حديث ضعيف في سنن أبي داود عن جندب قال رسول الله e من قال في كتاب الله عزوجل برأيه فأصاب فقد أخطأ.
ومن تعظيم الله عزوجل لكتابه جعله يخالف غيره من الكتب لدى العرب في كل شيء، فكانوا يسمون كتبهم الديوان فسماه القرآن وكانوا يسمون الجزء من الديوان قصيدة والله سمى الجزء من القرآن سورة وكانوا يسمون الجزء من القصيدة بيت والله سمى الجزء من السورة آية.
بسم الله الرحمن الرحيم 1- بيـان معنى كلمة التفسير: - في اللغة:الإيضاح والتبيان والكشف من فسر الشيء إذا بان و منه قوله تعالى( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً )(الفرقان:33) أي بياناً.
- في الاصطلاح:قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: هو علم يُفهم به كتاب الله المُنـزل على محمد e وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف والبلاغة وأصول الفقه والقراءات ومعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ.
2-هل هناك فرق بين التفسير و التأويل:
كان السلف يُطلقون التأويل على التفسير ومنه قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ )(يوسف: من الآية101).
- روى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ.
- و قال عزوجل على لسان الخضر عليه السلام (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْه صَبْراً)(الكهف: من الآية82).
- قال الطبري: باب تأويل قوله تعالى في كذا وكذا.
- وكلمة التأويل في أيامنا صار يُراد بها معنى أخر، وهو صرف اللفظ عن ظاهره، فإن كان بدليل فهو محمود وإن كان بغير دليل فهو مردود.
- وقال بعض العلماء كأبي عبيد لا فرق بينهما.
- و بالغ بعضهم كابن حبيب النيسابوري حتى جعلها من أصول علم التفسير.
- ذكر الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن والسيوطي في الإتقان في علوم القرآن: أن التفسير يتعلق بالمفردات والألفاظ أما التأويل يتعلق بالمعاني والجمل.
3-بـيان فضل علم التفسير:
لابد أن نعلم أن أشرف العلوم هي التي تتعلق بالله وبكلام الله وبرسول الله e. - روى أحمد عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ e أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ e عَشْرَ آيَاتٍ فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ.
- روى مالك بلاغا أنّ ابن عمر جمع البقرة في ثماني سنوات.
- روى مالك وغيره عن ابن مسعود قَالَ لِإِنْسَانٍ إِنَّكَ فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَيَقْصُرُونَ الْخُطْبَةَ يُبَدُّونَ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ يُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ وَيَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ يُبَدُّونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ. – جاء في مستدرك الحاكم ومسند أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال خرج رسول الله e على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد. - روى الشيخان عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ أَلِفًا تَجِدُهُ أَمْ يَاءً مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ أَوْ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ، قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَكُلَّ الْقُرْآنِ قَدْ أَحْصَيْتَ غَيْرَ هَذَا، قَالَ إِنِّي لَأَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ، إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ.
- جاء في شعب الإيمان عن القاسم بن الوليد قال عبدالله بن مسعود لا تهذّوا القرآن هذاً الشعر، لا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب.4- آداب و شروط المفسر:
شرط 1: صحة الاعتقاد.
- روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال كنا عند رسول الله e فقال فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله.
شرط 2: التجرد عن الهوى.
شرط 3: أن يفسر القرآن بالقرآن والسنة. ومن تفسير النبي e :
- روى البخاري عن أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ e كَانَتْ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا لَا تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا قَالَتْ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ.
وفسر لنا معنى الظلم في سورة الأنعام قوله تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) (الأنعام:82) ( يلبسوا: يخلطوا، الأمن: في الدنيا، هم مهتدون: في الآخرة )
- روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ بِشِرْكٍ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
- روى أحمد و ابن ماجة عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ e إِنِّي لَأَرْجُو أَلَّا يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا قَالَ أَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا.
شرط4: أن يفسر كلام الله تعالى إذا لم يكن تفسير من كلام الله ولا من السنة بكلام الصحابة.
فالصحابة زيادة على أنهم عرب جمعوا أمرين :
1-حسن الفهم ، لأنّ سوء الفهم يؤدي بك إلى الجهل.
2-حسن القصد ، لأنّ سوء القصد يؤدي بك إلى الظلم.
- روى ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ.
أعظم المفسرين من الصحابة هم الخلفاء الأربعة ثم ابن مسعود و ابن عباس و أبي بن كعب.
- روى البخاري عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيه.
- روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَمَّنِي إِلَيْهِ النَّبِيُّ e وَقَالَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ.
- روى البخاري عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِر.
شرط 5: أن يفسر القرآن إذا لم يكن تفسير من كلام الله ولا السنة ولا كلام الصحابة بتفاسير التابعين خاصة تلاميذ ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب أصحاب المدارس الثلاثة : المدينة، مكة، الكوفة.
- مدرسة مكة كان بها ابن عباس ومن أشهر تلاميذه: مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء بن أبي رباح وطاووس بن كيسان.
- مدرسة الكوفة كان بها ابن مسعود من أشهر تلاميذه: علقمة بن قيس والأسود بن يزيد وقتادة ابن دعائة ومسروق بن الأجدع وعامر الشعبي.
- مدرسة المدينة كان بها أبي بن كعب من تلاميذه: زيد بن أسلم وأبو العالية ومحمد بن كعب القُرظي.
شرط 6: لابد أن يكون المفسر عالماً باللغة العربية عالما بالألفاظ وبأسلوب العرب.
فمثلاً قوله تعالى( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )(آل عمران: من الآية97) ومنهم من يدخله وليسوا آمنين، قال العلماء هذا خبر يراد به الأمر أي أمنوا من دخله
ومثل المجاز الصواب إثباته بشروط قال عزوجل( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم )(الفتح: من الآية10) فنقول إنَّ لله يداً تليق به أما الكيفية لم نُكلف بها، فالعجز عن إدراك الذات لا يُمكن لأجله إنكار الصفات، قال بعضهم اليد هنا بمعنى القدرة، واليد تطلق ويراد بها القدرة والنعمة لكن العلماء يقولون اليد تستعمل بمعنى القدرة والنعمة مفردة أو مجموعة كقول العرب لفلان علي يدٌ أو لفلان علي أيدٍ، والعرب لا تستعمل اليد مثنى وتريد بها النعمة والقدرة فقوله( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ )(صّ:75) مثنى مستحيل أن تكون مراد بها القدرة والنعمة. - جاء في تفسير ابن كثير ج: 1 ص: 7 عن ابن جرير قال ابن عباس التفسير على أربعة أوجه وجه تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله.
شرط 7: العلم بالعلوم المتصلة بالقرآن كالعلم بالناسخ والمنسوخ وعلم القراءات وأسباب النزول وقواعد التفسير. ونظيره ما رواه الترمذي عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّة،ِ رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لَا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ.
شرط 8: دقة الفهم ، سماه الشافعي جودة القريحة.
كقول العلماء في قوله تعالى (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ)(البقرة: من الآية233) فيه دليل على أن الولد يُنسب لأبيه.
قال ابن تيمية: في هذا دليل على أنه من لم تكن له أهلية الإجتهاد وقال في القرآن برأيه فهو آثم.
وهناك حديث ضعيف في سنن أبي داود عن جندب قال رسول الله e من قال في كتاب الله عزوجل برأيه فأصاب فقد أخطأ.
ومن تعظيم الله عزوجل لكتابه جعله يخالف غيره من الكتب لدى العرب في كل شيء، فكانوا يسمون كتبهم الديوان فسماه القرآن وكانوا يسمون الجزء من الديوان قصيدة والله سمى الجزء من القرآن سورة وكانوا يسمون الجزء من القصيدة بيت والله سمى الجزء من السورة آية.