الحديث السابع والثلاثون
عن ابن عباس رضي الله عنهما . عن النبي صلّى الله عليه و سلّم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ، ثم بيّن ذلك ، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها ، كتبها عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) رواه البخاري ومسلم .
-----------------------------------------------------
معاني الكلمات :
إن الله كتب الحسنات والسيئات : الكتابة بمعنى التدوين والإحصاء ، والمراد أنها مكتوبة على العبد في الأزل .
ثم بين ذلك : أي فصله .
فمن هم : الهم هو الإرادة والقصد .
الفوائد :
1- في هذا الحديث بيان كتابة الحسنات والسيئات والهم بالحسنة والسيئة ، وأنها تنقسم إلى أنواع :
النوع الأول : أن يعمل الحسنة .
فهذا يضاعفها الله له إلى عشر حسنات .
كما قال تعالى } من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها { .
وقد يضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة .
كما قال تعالى } مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم { .
وعن ابن مسعود قال ( جاء رجل بناقة مخطومــة ، فقال : يا رسول الله ! هذه في سبيل الله ، فقال : لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة ) رواه مسلم .
وفي حديث الصيام ( إلا الصيام ، فإنه لي وأنا أجزي به ) متفق عليه .
قال ابن رجب رحمه الله : ” أن مضاعفة الحسنات زيادة على العشر تكون بحسب حسن الإسلام ، ويكون بحسب كمال الإخلاص ، وبحسب فضل ذلك العمل في نفسه ، وبحسب الحاجــة إليه “ .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ( إلى سبعمائة ضعف ) وهذا تحت مشيئة الله تعالى ، فإن شاء ضاعف هذا ، وإن شاء لم يضاعف “ .
النوع الثاني : الهم بالحسنة فلم يعملها فإنها تكتب له حسنة كاملة من غير تضعيف .
كما في حديث الباب .
وفي رواية ( إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة ، فأنا أكتبها له حسنة ) .
والمراد بالهم العزم المصمم الذي يوجد معه الحرص على العمل لا مجرد الخاطر .
مثال : أراد أن يذهب لمجلس علم ، فمرض أحد أهله فانشغل به .
وكمن أراد أن يتصدق بصدقة فلم يجد معه دراهم ، وكان يظن وجودها .
النوع الثالث : أن يعمل السيئــة ، فهذا تكتب عليه سيئة واحدة من غير مضاعفة .
كما في حديث الباب ( وإن هم بسيئة فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) .
وقال تعالى } ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون { .
النوع الرابع : الهم بالسيئة ثم يتركها خوفاً من الله ، فهذا تكتب له حسنة .
كما في حديث الباب ( وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ) .
وقد جاء في رواية ( إنما تركها من أجلي أو من جرائي ) .
مثل قصة الذي همّ بابنــة عمه بسوء فتركها لله ، فأجاب الله دعاءه وفرج همه فانفرجت الصخــرة .
- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” من هم بالسيئة وسعى في تحصيلها لكن عجز عنها ، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً ، دليل ذلك ، قول النبي صلّى الله عليه و سلّم : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، قالوا : يا رسول الله ! هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه “ .
2- عظم فضل الله ورحمتــه بعباده .
فمن رحمته : أن الحسنة مضاعفة ، والسيئة لا تضاعف .
ومن رحمته : جعل أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعــة .
ومن رحمته : ما جاء في قوله صلّى الله عليه و سلّم ( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهــوا عليه ) .
ومن رحمته : ما جاء في حديث ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركتــه الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائــم ولم تحل لأحد قبلي ) .
ومن رحمته : أن أمة الإسلام هي أقل الأمم عملاً ، وأكثرهم أجراً .
3- جاء في رواية في آخر الحديث ( ولا يهلك على الله هالك ) ، قال ابن رجب رحمه الله : ” يعني بعد هذا الفضل العظيم من الله والرحمــة الواسعــة منه بمضاعفة الحسنات والتجاوز عن السيئات ، لا يهلك على الله إلا من هلك ، وألقى بيده إلى التهلكة ، وتجرأ على السيئات ، ورغب عن الحسنات ، وأعرض عنها “ .
4- أسلوب الترغيب والترهيب من أفضل أساليب التربية .
5- اطلاع الملائكــة على ما يهــم به الإنسان .
6- على المسلم أن ينوي فعل الخير دائماً وأبداً ، لعله يكتب له أجره وثوابه .
7- الإيمان باللوح المحفوظ .
8- إحصاء الحسنات والسيئات على الإنسان .
واختلف العلماء هل تكتب الملائكة المباح ؟
فقيل : تكتب ما فيه ثواب وعقاب .
وقيل : تكتب كل شيء من الكلام ، ورجحه ابن كثير .
لعموم قوله تعالى } ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد { .
ولقوله صلّى الله عليه و سلّم ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه ) رواه أحمد .الحث على العمل الصالح والمسارعــة فيه