محاضرة ألقيت يوم الخميس 23ذو الحجة 1428 الموافق لـ 3 جانفي 2008
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد فإن الله تعالى خلق الإنسان وعلمه البيان وأرسل رسله بالحجة والبرهان، وخص نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته بخاتمة الرسالة وإنزال القرآن.
أرسل رسوله بالهدى ودين الحق فآمن به أصحابه الكرام وكان إيمانهم عن علم فأورثهم اليقين في الله وفي صدق وعده ، فصدر منهم العمل الصالح القول الحكيم والحكم العادل وسعدوا في الدنيا وسادوا فيها ، وآمن به من بعدهم أقوام اعتنوا بميراث نبيهم صلى الله عليه وسلم فوفقوا للعمل والطاعة والسعادة بقدر ما نالوا من العلم ، ثم خلف من بعدهم خلوف أضاعوا علم كتاب ربهم وتركوا هدي نبيهم وخالفوا سيرة سلفهم ، فظهر الخلل في أقوالهم واعتقاداتهم والانحراف في سلوكهم وأعمالهم ، وضعف اليقين في قلوبهم وملكت الدنيا والشهوات أفئدتهم، وفقدوا السيادة وفارقتهم السعادة . ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى التذكير بفضل العلم وضرورته ، والحث على تحصليه والتخصص فيه وتعليمه ، عسى أن يصلح بالعلم حالنا، وأن يرأف بنا ربنا ويرحمنا .
أولا : فضل العلم النافع عموما
يقول المولى عز وجل : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:9) الجواب معلوم لا يستوون، فإن العقلاء من عموم البشر متفقون على أن العالم خير من الجاهل ، وأن العلم من صفات الكمال وأن الجهل من صفات النقص، ولا يستوي عندهم من يعلم ومن لا يعلم حتى في الحيوانات، وإن الله تعالى أيضا فضل الكلب المعلم على غيره فلم يبح صيد الكلب إلا المعلم ، فقال ((يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْه ) (المائدة:4).
- لكن يخص هذا التفضيل بالعلم النافع وهو العلم المشروع وأنفع العلوم علم الكتاب والسنة، ولا يخفى عليكم أنه ليس كل علم بنافع فإن منه ما هو ضار كما قال تعالى في السحر: ((وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ)) (البقرة:102)، وقال: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:7). والنصوص الشرعية الواردة في فضل العلم وأهله وتعليمه ورفعة أهله وكونهم ورثة الأنبياء إنما هو علم الشريعة علم الكتاب والسنة إذا أريد به وجه الله تعالى وعمل به.
- هذا العلم هو العلم المورث لخشية الله تعالى قال تعالى (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)) (فاطر:28) والخشية الخوف المقرون بالعلم ، ولا يخشى الله حقا إلا العلماء بالله وبأسمائه وصفاته، ولا يدخل الجنة إلا من خاف ربه سبحانه واتقاه ، قال تعالى: ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)) (النازعـات:40-41). 3-وهذا العلم –علم الكتاب والسنة-هو الذي يرفع صاحبه يوم القيامة وكذا في الدنيا بإذن الله تعالى ، قال تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة:11) قَالَ صلى الله عليه وسلم :" يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا" رواه أبو داود والترمذي وصححه.
يرفعه الله تعالى إلى درجات لم يبين عددها وهي كثيرة متفاوة تفاوت علم الناس وإيمانهم ، فعلينا أن نستكثر من العلم ما استطعنا، رفعنا الله وإياكم بذكره وبالقرآن العظيم.
ثانيا : طلب العلم جهاد
إن من أعظم الطاعات التي يتقرب بها إلى عز وجل الجهاد، وإن طلب العلم جهاد بل هو الجهاد الأكبر، قال تعالى :( فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان:52)، أي بالقرآن الكريم، وقال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة:73) وجهاد المنافقين إنما يكون بالحجة والبرهان، قال تعالى : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122) المعنى على مذهب الأكثر لولا نفر بالجهاد من كل فرقة من المؤمنين طائفة، وقعدت طائفة أخرى ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا ، فجعل الفقه في الدين معادلا للجهاد في سبيل الله، بل أولى منه . وهو أفضل الأعمال بعد الفرائض ، يقدم على الصلاة والجهاد، وقال آخرون : المعنى أنه لابد أن تنفر طائفة من المؤمنين لطلب العلم وترجع إلى القاعدين تفقههم في الدين فشبه الخارج في طلب العلم بالذي ينفر مجاهدا في سبيل الله .
وفي الحديث مرفوعا وموقوفا عن أنس :" مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ " رواه الترمذي، في سبيل الله أي في جهاد . وقال معاذ :" عليكم بطلب العلم فإن تعلمه لله خشية ومدارسته عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد".
ثالثا : الدين كله يبنى على العلم
ومما يبين لنا أهمية العلم أن الدين كله يبنى عليه، لذلك كان أول ما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالقراءة ، ومن غير العلم لا يمكن أن يصلي المصلي ولا أن يزكي ولا أن يصوم ولا أن يحج ولا أن يعبد الله تعالى كما أراد، ولا أن يسلم توحيد العباد إلا به ، وإن من شروط لا إله إلا الله العلم بمعناها ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) متفق عليه. فمن وقف للعلم فقد أراد الله به الخير في الدنيا والآخرة، ومن صرف عن العلم فهو مخذول أريد به الشر، فعلينا أن نستكثر من العلم وأن نسلك كل ما أتيح لنا من أسبابه لأن الخير كل الخير في تحصيله، والفقه ليس هو حفظ المعلومات والإحاطة بها بل هو الفهم والقبول والعمل.
رابعا : العلم طريق إلى الجنة
ومن فضائل العلم أنه طريق موصل إلى الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم .
وهذا يشمل الطريق الحسي الذي تقرعه الأقدام كخروجك إلى المسجد أو المدرسة، وخروجك من بلد إلى بلد ، ويشمل الطريق المعنوي وهو طريق طلبة العلم ومنهجهم في أخذ العلم والتفقه في الدين من أفواه الرجال وبطون الكتب ، يقال سلك طريق العلم كما يقال سلك طريق التجارة الخ وعلى المعنيين فإن الله يسهل بهذا السلوك الطريق إلى الجنة لأن العلم الشرعي به يعرف الله تعالى وأوامره ونواهيه، فمن طلب العلم وفقه الله للطاعة وفتح له من أبواب الخير ما لم يكن بحسبانه.
وفي هذا الحديث أيضا فضل مجالس العلم، ومنها ذكر الله تعالى لعباده في الملأ الأعلى ثناؤه عليهم بين ملائكته ومباهاته بهم، وقد قال الله تعالى :(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (البقرة:152).
وخَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ رواه مسلم .
خامسا : بالعلم تحيا القلوب
قال تعالى :( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122) العلم حياة القلوب والعلم نور الأبصار، به تعرف الحق من الباطل وبه تهتدي إلى الله تعالى إلى جنته ورضوانه .
وقَالَ صلى الله عليه وسلم :( مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ) متفق عليه .
الوحي غيث يحيي القلوب كالماء يحيي الأرض، وأحوال قلوب الناس مع الوحي كأحوال الأرض مع الماء تختلف ، القسم الأول : مثل الفقهاء الذين حفظوا وفهموا وبلغوا ، والقسم الثاني : من حفظ هذا العلم وبلغه وإن لم يفقهه كرواة الحديث، وهما داخلان في المدح ، والقسم الثالث المذموم لم ينتفع بالوحي فلا قبله ولا نقله.
سادسا : عموم الحاجة إلى العلم
كل الناس محتاج إلى العلم الكبير والصغير حتى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، وقد خرج نبي الله تعالى موسى عليه السلام راحلا في طلب العلم، وقال ربنا لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْما) (طـه: 114)، فمن دونهم محتاجون إلى العلم من باب أولى، يحتاجون إلى سلوك سبيله مع سؤال المولى عز وجل المزيد والتوفيق.
قال بعض أهل العلم لم يأمر المولى عز وجل نبيه بالاستزادة من شيء إلا الاستزادة من العلم لأنه من زاد الآخرة ، أما المال وغيره من حطام الدنيا، فقال عز وجل لنبيه فيه:( وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طـه:131). وقريب من هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَاحَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ) متفق عليه . المراد تمني المثل والغبطة.
العلم قسمان
- الأول فرض عين يجب على كل إنسان أن يتعلمه، ومنه ما يتعلق بالتوحيد وأركان الإيمان، والصلاة وأحكامها والصوم ومسائله، ومن كان له مال تعين معرفة أحكام الزكاة والحج ، ومنه أحكام الحلال والحرام من المكاسب والمأكل والمشرب والملبس، ومن كان له تجارة وجب عليه تعلم أحكام البيع ومن أقبل الزواج وجب عليه تعلم أحكامه وهكذا .
- ومنه الآداب الشرعية وما منها يتعلق بالتعامل الناس الذين نعيش معهم كالوالدين والأزواج والأولاد والجيران والأصحاب .
والثاني فرض كفاية وهو العلم الذي إذا قام به من تسد به الحاجة سقط عن الباقين ويبقى استحبابه في حقهم ، وهي سائر مسائل العلم غير الفرض العيني، والتفقه فيه بقصد حفظ الدين والشريعة وتبليغها ، أو تعلم مسائله بقصد العمل بها عندما تعرض الحاجة إليها.
وهذا القسم الثاني قد فرط فيه المسلمون في زماننا حيث لا يوجد في جميع البلاد من تسد به الكفاية من العلماء والدعاة والخطباء ، وإذا لم توجد الكفاية فإنه يأثم القادرون على طلب العلم الذين فرطوا فيه وانشغلوا عنه بالدنيا والذين شرعوا فيع ثم تركوه ، قال ابن تيمية (28/186):"وكذلك أهل العلم الذين يحفظون على الأمة الكتاب والسنة صورة ومعنى مع أن حفظ ذلك واجب على الأمة عموما على الكفاية منهم ومنه ما يجب على أعيانهم وهو علم العين الذي يجب على المسلم في خاصة نفسه لكن وجوب ذلك عينا وكفاية على أهل العلم الذين رأسوا فيه أو رزقوا عليه أعظم من وجوبه على غيرهم لأنه واجب بالشرع عموما وقد يتعين عليهم لقدرتهم عليه وعجز غيرهم و يدخل في القدرة استعداد العقل وسابقة الطلب ومعرفة الطرق الموصلة إليه من الكتب المصنفة والعلماء المتقدمين وسائر الأدلة المتعددة والتفرغ له عما يشغل به غيرهم ، ولهذا مضت السنة بأن الشروع في العلم والجهاد يلزم كالشروع في الحج ".
سابعا : العلم خير من المال
قال علي رضي الله عنه :" العلم خير من المال : العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكوا بالعمل ، والمال تنقصه النفقة». ذكر علي رضي الله عنه وجهين لتفضيل العلم على المال وقد أوصل ابن القيم في مفتاح دار السعادة أوجه تفضيل العلم على المال إلى أربعين وجها ، منها:
- أن العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث الملوك والأغنياء .
- أن صاحب المال إذا مات فارقه ماله والعلم يدخل معه قبره.
- أن العلم حاكم على المال والمال لا يحكم على العلم.
- أن المال يحصل للمؤمن والكافر والبر والفاجر، والعلم النافع لا يحصل إلا للمؤمن.
- أن المال يدعو النفس إلى الطغيان والفخر والخيلاء، والعلم يدعوها إلى التواضع والقيام بالعبودية .
- أن المال يستعبد محبه وصاحبه فيجعله عبدا له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :« تعس عبد الدينار والدرهم »، والعلم يستعبده لربه وخالقه فهو لا يدعوه إلا إلى عبودية الله وحده.
- أن حب العلم وطلبه أصل كل طاعة وحب الدنيا والمال وطلبه أصل كل سيئة .
وقد قال صلى الله عليه وسلم :" الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالم ومتعلم " رواه الترمذي وابن ماجة ، وحقيقة اللعنة البعد عن الله تعالى .
ثامنا : ليس ذما مطلقا للمال ولكن تحذير من فتنته
ليس فيما ذكرنا ذما مطلقا للمال ولكن تحذير من فتنته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ" رواه الترمذي وصححه ، قال صلى الله عليه وسلم :" مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ" رواه الترمذي .
ومن لم يطهر قلبه من حب الدنيا والميل إليها يخشى عليه من أن يكون علمه وبالا عليه، لذلك لا يزال العلماء يحذرون من طلب العلم للدنيا من مباهاة ومماراة ورياء وسمعة وطمع في الرياسة والجاه .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :« نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ » رواه أحمد . وقَالَ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ " رواه ابن ماجة والترمذي وصححه.
- وصاحب المال يستطيع طلب العلم كما كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، ومن فاته التخصص في العلم الشرعي فإنه يستطيع أن ينفع طلبة العلم بتيسير سبل العلم نفقة على من تفرغ للعلم وتشجيعه على الرحلة في سبيله، وجلبا للكتب ونشرا لها …
تاسعا : ضرورة طلب العلم في زمن الغربة
ويتأكد طلب العلم في زماننا في زمن الغربة ، وذلك :
أولا : لحفظ الدين وتبليغ كلمة الحق، فإنه إذا لم يوجد دعاة الحق استأثر بالناس دعاة الباطل، قَالَ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنْ النَّاسِ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ وَيُبْقِي فِي النَّاسِ رُءُوسًا جُهَّالًا يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ ) متفق عليه.
فينبغي علينا أن نطلب العلم وأن نسعى إلى يتخصص منا جماعة لتحقيق الكفاية كما ذكرنا،قال العثيمين :« ولا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال ن بل هو من الجهاد في سبيل الله ، ولا سيما في وقتنا هذا حين بدأت البدع تظهر في المجتمع الإسلامي وتنشر وتكثر، وبدأ الجهل الكثير ممن يتطلع إلى الإفتاء بغير علم ، وبدأ الجدل من كثير م الناس » .
وما ذكره موجود في بلدنا وهو ليس هو في بدايته بل قد بلغ منتهاه، وزيادة على البدع والتعالم والجدال يوجد دعاوات الإلحاد والتنصير، وقلة الأئمة والدعاة الأكفاء الناصحين أدى إلى انتشار واسع للرذائل والمنكرات نسأل الله العافية.
ثانيا : لحفظ النفس وتثبيتها أمام سيول الشهوات والشبهات، قَالَ صلى الله عليه وسلم :(الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم ، والهرج الفتنة واختلاط الأمور . فضل العبادة في هذه الحال لاشتغال الناس وغفلتهم عنها ، ومن أفضل العبادات طلب العلم، وقال علي رضي الله عنه : " الناس ثلاثة ، فعالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ». قال ابن القيم :« وقوله اتباع كل ناعق أي من صاح بهم ودعاهم تبعوه سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال فإنهم لا علم لهم بالذي يدعون إليه أحق هو أم باطل فهم مستجيبون لدعوته، وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان فإنهم الأكثرون عددا الأقلون عند الله قدرا وهم حطب كل فتنة بهم توقد ويشب ضرامها، فإنها يهتز لها أولو الدين ويتولاها الهمج الرعاع وسمى داعيهم ناعقا تشبيها لهم بالأنعام التي ينعق بها الراعي فتذهب معه أين ذهب ».
عاشرا : نماذج من حرص السلف على العلم
ولتقوية همتنا في طلب العلم نذكر بعض النماذج من سير السلف الصالح
1-الرحلة في طلب العلم والصبر عليه
رحل جابر بن عبد الله إلى الشام مسيرة شهر ليسمع من عبد الله بن أنس حديثا واحدا ، وهو حديث : يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا . ورحل أبو أيوب الأنصاري من المدينة إلى مصر ليسمع حديثا واحدا من عقبة بن عامر وهو حديث : من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ". وسمع الحديث فور وصوله إلى مصر ثم رجع مباشرة إلى المدينة .
ومنهم من خرج في طلب العلم وعمره عشرون سنة ولم يرجع إلا له وخمس ستون سنة.
وسمع البخاري من أكثر من ألف شيخ من مختلف البلدان وسمع ابن حبان من ألفي شيخ.
2-سعة الحفظ وكثرة المطالعة
قال أبو زرعة : كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث، فقيل له وما يدريك ؟ قال : ذاكرته وأخذت عليه الأبواب ».
وقال أبو زرعة :" أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان :( قل هو الله أحد) ".
وقال ابن الجوزي في صيد الخاطر (441):« ولو قلت أني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعدُ في الطلب فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم وقدر هممهم وحفظهم وعبادتهم وغرائب علومهم ما لم يعرفه من لم يطالع".
3-كثرة التآليف وصرف العمر كله في العلم
ولأبي بكر بن العربي صاحب التصانيف الكثيرة المشهورة تفسير كبير في ثمانين مجلدا ، وألف ابن عساكر كتاب التاريخ في ثمانين مجلدا . وألف أبو الوفاء بن عقيل كتاب الفنون في ثمانمائة مجلد ، وكان يقول : لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة ، وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح فلا أنهض إلا وقد خطر ببالي ما أسطره وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عمر الثمانين ما كنت أجد وأنا ابن عشرين سنة .
نسأل الله تعالى أن يعلمنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يرفع همتنا أو يهدينا وجعلنا هداة مهتدين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليه
http://islahway.com/index.php?option=com_content&view=article&id=191:2010-02-22-13-36-45&catid=53:2010-03-07-10-52-35&Itemid=79
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد فإن الله تعالى خلق الإنسان وعلمه البيان وأرسل رسله بالحجة والبرهان، وخص نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته بخاتمة الرسالة وإنزال القرآن.
أرسل رسوله بالهدى ودين الحق فآمن به أصحابه الكرام وكان إيمانهم عن علم فأورثهم اليقين في الله وفي صدق وعده ، فصدر منهم العمل الصالح القول الحكيم والحكم العادل وسعدوا في الدنيا وسادوا فيها ، وآمن به من بعدهم أقوام اعتنوا بميراث نبيهم صلى الله عليه وسلم فوفقوا للعمل والطاعة والسعادة بقدر ما نالوا من العلم ، ثم خلف من بعدهم خلوف أضاعوا علم كتاب ربهم وتركوا هدي نبيهم وخالفوا سيرة سلفهم ، فظهر الخلل في أقوالهم واعتقاداتهم والانحراف في سلوكهم وأعمالهم ، وضعف اليقين في قلوبهم وملكت الدنيا والشهوات أفئدتهم، وفقدوا السيادة وفارقتهم السعادة . ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى التذكير بفضل العلم وضرورته ، والحث على تحصليه والتخصص فيه وتعليمه ، عسى أن يصلح بالعلم حالنا، وأن يرأف بنا ربنا ويرحمنا .
أولا : فضل العلم النافع عموما
يقول المولى عز وجل : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:9) الجواب معلوم لا يستوون، فإن العقلاء من عموم البشر متفقون على أن العالم خير من الجاهل ، وأن العلم من صفات الكمال وأن الجهل من صفات النقص، ولا يستوي عندهم من يعلم ومن لا يعلم حتى في الحيوانات، وإن الله تعالى أيضا فضل الكلب المعلم على غيره فلم يبح صيد الكلب إلا المعلم ، فقال ((يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْه ) (المائدة:4).
- لكن يخص هذا التفضيل بالعلم النافع وهو العلم المشروع وأنفع العلوم علم الكتاب والسنة، ولا يخفى عليكم أنه ليس كل علم بنافع فإن منه ما هو ضار كما قال تعالى في السحر: ((وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ)) (البقرة:102)، وقال: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:7). والنصوص الشرعية الواردة في فضل العلم وأهله وتعليمه ورفعة أهله وكونهم ورثة الأنبياء إنما هو علم الشريعة علم الكتاب والسنة إذا أريد به وجه الله تعالى وعمل به.
- هذا العلم هو العلم المورث لخشية الله تعالى قال تعالى (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)) (فاطر:28) والخشية الخوف المقرون بالعلم ، ولا يخشى الله حقا إلا العلماء بالله وبأسمائه وصفاته، ولا يدخل الجنة إلا من خاف ربه سبحانه واتقاه ، قال تعالى: ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)) (النازعـات:40-41). 3-وهذا العلم –علم الكتاب والسنة-هو الذي يرفع صاحبه يوم القيامة وكذا في الدنيا بإذن الله تعالى ، قال تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة:11) قَالَ صلى الله عليه وسلم :" يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا" رواه أبو داود والترمذي وصححه.
يرفعه الله تعالى إلى درجات لم يبين عددها وهي كثيرة متفاوة تفاوت علم الناس وإيمانهم ، فعلينا أن نستكثر من العلم ما استطعنا، رفعنا الله وإياكم بذكره وبالقرآن العظيم.
ثانيا : طلب العلم جهاد
إن من أعظم الطاعات التي يتقرب بها إلى عز وجل الجهاد، وإن طلب العلم جهاد بل هو الجهاد الأكبر، قال تعالى :( فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان:52)، أي بالقرآن الكريم، وقال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة:73) وجهاد المنافقين إنما يكون بالحجة والبرهان، قال تعالى : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122) المعنى على مذهب الأكثر لولا نفر بالجهاد من كل فرقة من المؤمنين طائفة، وقعدت طائفة أخرى ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا ، فجعل الفقه في الدين معادلا للجهاد في سبيل الله، بل أولى منه . وهو أفضل الأعمال بعد الفرائض ، يقدم على الصلاة والجهاد، وقال آخرون : المعنى أنه لابد أن تنفر طائفة من المؤمنين لطلب العلم وترجع إلى القاعدين تفقههم في الدين فشبه الخارج في طلب العلم بالذي ينفر مجاهدا في سبيل الله .
وفي الحديث مرفوعا وموقوفا عن أنس :" مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ " رواه الترمذي، في سبيل الله أي في جهاد . وقال معاذ :" عليكم بطلب العلم فإن تعلمه لله خشية ومدارسته عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد".
ثالثا : الدين كله يبنى على العلم
ومما يبين لنا أهمية العلم أن الدين كله يبنى عليه، لذلك كان أول ما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالقراءة ، ومن غير العلم لا يمكن أن يصلي المصلي ولا أن يزكي ولا أن يصوم ولا أن يحج ولا أن يعبد الله تعالى كما أراد، ولا أن يسلم توحيد العباد إلا به ، وإن من شروط لا إله إلا الله العلم بمعناها ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) متفق عليه. فمن وقف للعلم فقد أراد الله به الخير في الدنيا والآخرة، ومن صرف عن العلم فهو مخذول أريد به الشر، فعلينا أن نستكثر من العلم وأن نسلك كل ما أتيح لنا من أسبابه لأن الخير كل الخير في تحصيله، والفقه ليس هو حفظ المعلومات والإحاطة بها بل هو الفهم والقبول والعمل.
رابعا : العلم طريق إلى الجنة
ومن فضائل العلم أنه طريق موصل إلى الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم .
وهذا يشمل الطريق الحسي الذي تقرعه الأقدام كخروجك إلى المسجد أو المدرسة، وخروجك من بلد إلى بلد ، ويشمل الطريق المعنوي وهو طريق طلبة العلم ومنهجهم في أخذ العلم والتفقه في الدين من أفواه الرجال وبطون الكتب ، يقال سلك طريق العلم كما يقال سلك طريق التجارة الخ وعلى المعنيين فإن الله يسهل بهذا السلوك الطريق إلى الجنة لأن العلم الشرعي به يعرف الله تعالى وأوامره ونواهيه، فمن طلب العلم وفقه الله للطاعة وفتح له من أبواب الخير ما لم يكن بحسبانه.
وفي هذا الحديث أيضا فضل مجالس العلم، ومنها ذكر الله تعالى لعباده في الملأ الأعلى ثناؤه عليهم بين ملائكته ومباهاته بهم، وقد قال الله تعالى :(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (البقرة:152).
وخَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ رواه مسلم .
خامسا : بالعلم تحيا القلوب
قال تعالى :( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122) العلم حياة القلوب والعلم نور الأبصار، به تعرف الحق من الباطل وبه تهتدي إلى الله تعالى إلى جنته ورضوانه .
وقَالَ صلى الله عليه وسلم :( مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ) متفق عليه .
الوحي غيث يحيي القلوب كالماء يحيي الأرض، وأحوال قلوب الناس مع الوحي كأحوال الأرض مع الماء تختلف ، القسم الأول : مثل الفقهاء الذين حفظوا وفهموا وبلغوا ، والقسم الثاني : من حفظ هذا العلم وبلغه وإن لم يفقهه كرواة الحديث، وهما داخلان في المدح ، والقسم الثالث المذموم لم ينتفع بالوحي فلا قبله ولا نقله.
سادسا : عموم الحاجة إلى العلم
كل الناس محتاج إلى العلم الكبير والصغير حتى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، وقد خرج نبي الله تعالى موسى عليه السلام راحلا في طلب العلم، وقال ربنا لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْما) (طـه: 114)، فمن دونهم محتاجون إلى العلم من باب أولى، يحتاجون إلى سلوك سبيله مع سؤال المولى عز وجل المزيد والتوفيق.
قال بعض أهل العلم لم يأمر المولى عز وجل نبيه بالاستزادة من شيء إلا الاستزادة من العلم لأنه من زاد الآخرة ، أما المال وغيره من حطام الدنيا، فقال عز وجل لنبيه فيه:( وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طـه:131). وقريب من هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَاحَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ) متفق عليه . المراد تمني المثل والغبطة.
العلم قسمان
- الأول فرض عين يجب على كل إنسان أن يتعلمه، ومنه ما يتعلق بالتوحيد وأركان الإيمان، والصلاة وأحكامها والصوم ومسائله، ومن كان له مال تعين معرفة أحكام الزكاة والحج ، ومنه أحكام الحلال والحرام من المكاسب والمأكل والمشرب والملبس، ومن كان له تجارة وجب عليه تعلم أحكام البيع ومن أقبل الزواج وجب عليه تعلم أحكامه وهكذا .
- ومنه الآداب الشرعية وما منها يتعلق بالتعامل الناس الذين نعيش معهم كالوالدين والأزواج والأولاد والجيران والأصحاب .
والثاني فرض كفاية وهو العلم الذي إذا قام به من تسد به الحاجة سقط عن الباقين ويبقى استحبابه في حقهم ، وهي سائر مسائل العلم غير الفرض العيني، والتفقه فيه بقصد حفظ الدين والشريعة وتبليغها ، أو تعلم مسائله بقصد العمل بها عندما تعرض الحاجة إليها.
وهذا القسم الثاني قد فرط فيه المسلمون في زماننا حيث لا يوجد في جميع البلاد من تسد به الكفاية من العلماء والدعاة والخطباء ، وإذا لم توجد الكفاية فإنه يأثم القادرون على طلب العلم الذين فرطوا فيه وانشغلوا عنه بالدنيا والذين شرعوا فيع ثم تركوه ، قال ابن تيمية (28/186):"وكذلك أهل العلم الذين يحفظون على الأمة الكتاب والسنة صورة ومعنى مع أن حفظ ذلك واجب على الأمة عموما على الكفاية منهم ومنه ما يجب على أعيانهم وهو علم العين الذي يجب على المسلم في خاصة نفسه لكن وجوب ذلك عينا وكفاية على أهل العلم الذين رأسوا فيه أو رزقوا عليه أعظم من وجوبه على غيرهم لأنه واجب بالشرع عموما وقد يتعين عليهم لقدرتهم عليه وعجز غيرهم و يدخل في القدرة استعداد العقل وسابقة الطلب ومعرفة الطرق الموصلة إليه من الكتب المصنفة والعلماء المتقدمين وسائر الأدلة المتعددة والتفرغ له عما يشغل به غيرهم ، ولهذا مضت السنة بأن الشروع في العلم والجهاد يلزم كالشروع في الحج ".
سابعا : العلم خير من المال
قال علي رضي الله عنه :" العلم خير من المال : العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكوا بالعمل ، والمال تنقصه النفقة». ذكر علي رضي الله عنه وجهين لتفضيل العلم على المال وقد أوصل ابن القيم في مفتاح دار السعادة أوجه تفضيل العلم على المال إلى أربعين وجها ، منها:
- أن العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث الملوك والأغنياء .
- أن صاحب المال إذا مات فارقه ماله والعلم يدخل معه قبره.
- أن العلم حاكم على المال والمال لا يحكم على العلم.
- أن المال يحصل للمؤمن والكافر والبر والفاجر، والعلم النافع لا يحصل إلا للمؤمن.
- أن المال يدعو النفس إلى الطغيان والفخر والخيلاء، والعلم يدعوها إلى التواضع والقيام بالعبودية .
- أن المال يستعبد محبه وصاحبه فيجعله عبدا له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :« تعس عبد الدينار والدرهم »، والعلم يستعبده لربه وخالقه فهو لا يدعوه إلا إلى عبودية الله وحده.
- أن حب العلم وطلبه أصل كل طاعة وحب الدنيا والمال وطلبه أصل كل سيئة .
وقد قال صلى الله عليه وسلم :" الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالم ومتعلم " رواه الترمذي وابن ماجة ، وحقيقة اللعنة البعد عن الله تعالى .
ثامنا : ليس ذما مطلقا للمال ولكن تحذير من فتنته
ليس فيما ذكرنا ذما مطلقا للمال ولكن تحذير من فتنته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ" رواه الترمذي وصححه ، قال صلى الله عليه وسلم :" مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ" رواه الترمذي .
ومن لم يطهر قلبه من حب الدنيا والميل إليها يخشى عليه من أن يكون علمه وبالا عليه، لذلك لا يزال العلماء يحذرون من طلب العلم للدنيا من مباهاة ومماراة ورياء وسمعة وطمع في الرياسة والجاه .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :« نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ » رواه أحمد . وقَالَ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ " رواه ابن ماجة والترمذي وصححه.
- وصاحب المال يستطيع طلب العلم كما كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، ومن فاته التخصص في العلم الشرعي فإنه يستطيع أن ينفع طلبة العلم بتيسير سبل العلم نفقة على من تفرغ للعلم وتشجيعه على الرحلة في سبيله، وجلبا للكتب ونشرا لها …
تاسعا : ضرورة طلب العلم في زمن الغربة
ويتأكد طلب العلم في زماننا في زمن الغربة ، وذلك :
أولا : لحفظ الدين وتبليغ كلمة الحق، فإنه إذا لم يوجد دعاة الحق استأثر بالناس دعاة الباطل، قَالَ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنْ النَّاسِ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ وَيُبْقِي فِي النَّاسِ رُءُوسًا جُهَّالًا يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ ) متفق عليه.
فينبغي علينا أن نطلب العلم وأن نسعى إلى يتخصص منا جماعة لتحقيق الكفاية كما ذكرنا،قال العثيمين :« ولا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال ن بل هو من الجهاد في سبيل الله ، ولا سيما في وقتنا هذا حين بدأت البدع تظهر في المجتمع الإسلامي وتنشر وتكثر، وبدأ الجهل الكثير ممن يتطلع إلى الإفتاء بغير علم ، وبدأ الجدل من كثير م الناس » .
وما ذكره موجود في بلدنا وهو ليس هو في بدايته بل قد بلغ منتهاه، وزيادة على البدع والتعالم والجدال يوجد دعاوات الإلحاد والتنصير، وقلة الأئمة والدعاة الأكفاء الناصحين أدى إلى انتشار واسع للرذائل والمنكرات نسأل الله العافية.
ثانيا : لحفظ النفس وتثبيتها أمام سيول الشهوات والشبهات، قَالَ صلى الله عليه وسلم :(الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم ، والهرج الفتنة واختلاط الأمور . فضل العبادة في هذه الحال لاشتغال الناس وغفلتهم عنها ، ومن أفضل العبادات طلب العلم، وقال علي رضي الله عنه : " الناس ثلاثة ، فعالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ». قال ابن القيم :« وقوله اتباع كل ناعق أي من صاح بهم ودعاهم تبعوه سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال فإنهم لا علم لهم بالذي يدعون إليه أحق هو أم باطل فهم مستجيبون لدعوته، وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان فإنهم الأكثرون عددا الأقلون عند الله قدرا وهم حطب كل فتنة بهم توقد ويشب ضرامها، فإنها يهتز لها أولو الدين ويتولاها الهمج الرعاع وسمى داعيهم ناعقا تشبيها لهم بالأنعام التي ينعق بها الراعي فتذهب معه أين ذهب ».
عاشرا : نماذج من حرص السلف على العلم
ولتقوية همتنا في طلب العلم نذكر بعض النماذج من سير السلف الصالح
1-الرحلة في طلب العلم والصبر عليه
رحل جابر بن عبد الله إلى الشام مسيرة شهر ليسمع من عبد الله بن أنس حديثا واحدا ، وهو حديث : يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا . ورحل أبو أيوب الأنصاري من المدينة إلى مصر ليسمع حديثا واحدا من عقبة بن عامر وهو حديث : من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ". وسمع الحديث فور وصوله إلى مصر ثم رجع مباشرة إلى المدينة .
ومنهم من خرج في طلب العلم وعمره عشرون سنة ولم يرجع إلا له وخمس ستون سنة.
وسمع البخاري من أكثر من ألف شيخ من مختلف البلدان وسمع ابن حبان من ألفي شيخ.
2-سعة الحفظ وكثرة المطالعة
قال أبو زرعة : كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث، فقيل له وما يدريك ؟ قال : ذاكرته وأخذت عليه الأبواب ».
وقال أبو زرعة :" أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان :( قل هو الله أحد) ".
وقال ابن الجوزي في صيد الخاطر (441):« ولو قلت أني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعدُ في الطلب فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم وقدر هممهم وحفظهم وعبادتهم وغرائب علومهم ما لم يعرفه من لم يطالع".
3-كثرة التآليف وصرف العمر كله في العلم
ولأبي بكر بن العربي صاحب التصانيف الكثيرة المشهورة تفسير كبير في ثمانين مجلدا ، وألف ابن عساكر كتاب التاريخ في ثمانين مجلدا . وألف أبو الوفاء بن عقيل كتاب الفنون في ثمانمائة مجلد ، وكان يقول : لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة ، وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح فلا أنهض إلا وقد خطر ببالي ما أسطره وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عمر الثمانين ما كنت أجد وأنا ابن عشرين سنة .
نسأل الله تعالى أن يعلمنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يرفع همتنا أو يهدينا وجعلنا هداة مهتدين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليه
http://islahway.com/index.php?option=com_content&view=article&id=191:2010-02-22-13-36-45&catid=53:2010-03-07-10-52-35&Itemid=79