الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فإن من أعظم المنكرات الشائعة اليوم في بلادنا ظاهرة سب الدين وسب المولى عز وجل، وقد استهان بها الناس -بعد أن جهلوا حكم الله تعالى في ذلك- ، وقد شاب عليها الكبير وشب عليها الصغير ، وأصبحت في ظن أقوام رمزا للرجولة، وهي والله لؤم وعدم مروءة ودلالة على الضعف وانعدام الفحولة، وقبل ذلك وبعده هي أصرح عبارات الكفر بالله والخروج عن ملة الإسلام، وأعظم أسباب الخلود في جهنم والحرمان من رحمة رب العالمين وشفاعة سيد المرسلين.
وقد رأيت أن أكتب هذه المقالة لبيان الحكم الأصلي الذي غفل عنه كثير من الناس بغض النظر عن إيقاع ذلك على الأشخاص، وهذا الحكم الذي اتفق عليه العلماء سلفا وخلفا، ودلت عليه قواطع الشريعة وهو تكفير من سب الله أو دينه، وإن كثيرا من الناس مع علمهم بالتحريم يظنون أن هذا من العمل من جنس المعاصي التي يكفرها الاستغفار والأعمال الحسنة، وهو في الواقع ردة عن الإسلام. المعاصي قسمان :
القسم الأول : معاص تدخل في باب الكفر والشرك بالله تعالى من مات عليها ولم يدخل في الإسلام ، حكمه الخلود في جهنم سواء كان كافرا أصليا أو كان ممن ولد بين المسلمين، لا يرث ولا يزوج بالمسلمات إذا مات لا يورث ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين، ومن هذه المعاصي السجود للقبور والأصنام والطواف بها ودعاء أصحابها ، وممارسة السحر وإهانة القرآن ورفض أحكامه والاستهزاء بالدين وشعائره ومنها أيضا سب الله ودينه ورسوله، وهذه المعاصي على من وقع فيها عالما بتحريمها أن يدخل في الإسلام مرة أخرى، لا ينفعه عند الله تعالى إلا ذلك.
القسم الثاني : معاص لا تدخل في الكفر وإنما تدل على ضعف الإيمان ونقصه(ومنها الصغائر ومنها الكبائر ) من مات عليها دون توبة لم يخرج من الإسلام ، ويستحق العقوبة في الدنيا وفي القبر وفي أرض المحشر ويستحق دخول النار أيضا ، ومعنى قولنا يستحق أن الله تعالى إن شاء غفر له بفضله وإن شاء عذبه بعدله فهو من أهل الوعيد- وهذا حكم من لم يتب كما قلنا -، ثم إذا دخل النار فإنه يبقى فيها بحسب معاصيه ولا يخلد فيها، لأننا نعتقد أن الموحدين تنالهم شفاعة المؤمنين والملائكة والنبيين، ومنهم من يخرج برحمة أرحم الراحمين.
أصل الإيمان وكماله
وقد يقال لماذا تكون بعض المخالفات مخرجة من الإسلام والبعض الآخر غير مخرجة موجبة للعذاب الشديد دون خلود؟ فنقول إن للإيمان أصلا وكمالا ، فأما الأصل فهو الذي يفارق به المسلمون أهل الكفر والإلحاد، وهو الإيمان بالله وبرسوله وبدينه، الإيمان الذي يجتمع فيه الإقرار والمحبة والإخلاص والتعظيم والقبول والانقياد ، والأعمال والأقوال التي ذكرنا في القسم الأول من الكفر أكبر، لأنها تنافي أصل الإيمان القلبي وتنقض عقد لا إله إلا الله ، فالساب لا يحب تعالى ولا يعظمه -وإن زعم ذلك بلسانه-، والمهين للقرآن الرافض لأحكامه غير معظم لله وغير قابل لدينه -وإن زعم ذلك بلسانه-، والداعي للأصنام والقبور والمستغيث بها غير مخلص لله -وإن زعم ذلك بلسانه- وهكذا.
وأما المعاصي المدرجة في القسم الثاني، ومنها الزنا والسرقة والكذب وغيرها؛ فهي لا تنافي الإيمان القلبي، ولكنها تدل على ضعفه ونقصانه وهي تنقض كمال الإيمان الواجب ( هو فعل الواجبات وترك المحظورات) الذي يستحق صاحبه الجنة ابتداء، فمن وقع في هذا الجنس من المعاصي فلضعف محبته لله لا لانتفائها، ولنقص تعظيمه لا لخلو قلبه منه، فافترق الحكم لافتراق الحال.
1-قول الله تعالى :] وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [ (التوبة:65-66) ، وهذا نص صريح في كفر المستهزئ بالله وآياته ورسوله كفرا أكبر والساب مثله بل أولى منه بالكفر، لأن السب متضمن لمعنى الانتقاص والاستخفاف الذي يدل له الاستهزاء والسخرية ، قال ابن تيمية في الصارم المسلول (3/976): » والفقه فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعل فيه استهانة واستخفاف، كما أنه يوجب المحبة والتعظيم واقتضاؤه وجود هذا وعدم هذا أمر جرت به سنة الله في مخلوقاته… فالكلام والفعل المتضمن للاستخفاف والاستهانة مستلزم لعدم التصديق النافع، ولعدم الانقياد والاستسلام فلذلك كان كفرا « .
2-وقوله تعالى :] إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً[ (الأحزاب:57) قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية:» هذا يشمل كل أذية قولية وفعليه من سب وشتم أو تنقص له أو لدينه أو ما يعود إليه بالأذى « ، واللعن هو الطرد من رحمة الله وقد صرح أنهم ملعونون في الدنيا والآخرة فدل على كفرهم ، واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه الآية على وجوب قتل من سب الله أو رسوله، فقال (2/87): »فإن المؤمن يقرب إليها بعض الأوقات ولا يكون مباح الدم، لأن حقن الدم رحمة عظيمة من الله « .
3-وقوله تعالى :] وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [ (الأنعام 108) وفي هذا دلالة على أن السب أعظم من مجرد الشرك ، قال ابن تيمية(3/1026):»ومن المعلوم أنهم كانوا مشركين مكذبين معادين لرسوله، ثم نهى المسلمون أن يفعلوا ما يكون ذريعة إلى سبهم الله، فعلم أن سب الله أعظم عنده من أن يشرك به ويكذب رسوله « .
4-وقوله تعالى :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ[ (الحجرات:2) وجهه التهديد لمن رفع صوته فوق صوت النبي e وجهر له بالقول بحبوط الأعمال أي بطلانها وذهاب أجرها وهذه العقوبة ليست إلا لما يكون كفرا من الأقوال والأعمال، وذلك أن رفع الصوت هذا قد يكون مصحوبا باستخفاف وعدم احترام وتوقير فإن كان كذلك فهو كفر محبط للعمل ، وإذا كان هذا شأن من رفع صوته فوق صوت النبي e فكيف يكون حال من سبه وأهانه مباشرة؟ وكيف يكون حال من سب الله تعالى وسب دينه ؟!
5-دليل الإجماع، وقد حكاه غير واحد من العلماء ففي الصارم المسلول (2/15-16) عن إسحاق بن راهويه قال: »أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل … أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله « وعن محمد بن سحنون أنه قال: »أجمع العلماء على أن اتم النبي المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر « . وقال ابن حزم في المحلى (11/411):» وأما سب الله تعالى فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد« ، وقال القاضي عياض المالكي في الشفاء (2/582):» لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم « .
هل الغضب عذر ينفي الكفر عن الساب؟
وليس الغضب أو سوء الأدب مما يعذر به الساب عند الله تعالى أو عند القاضي المسلم، مثله مثل المازح والمستهزئ، وقد شدد العلماء جدا في هذا الأمر لأنه أكبر من مجرد الكفر كما سبق، قال ابن تيمية (3/1017) :» من سب الله تعالى فإن كان مسلما وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب ويعتقد أن ما هو عليه من الدين ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له « وقال ابن قدامة في المغني (10/113):» من سب الله تعالى كفر سواء كان مازحا أو جادا«، بل نص بعضهم على إقامة حد القتل حتى على من زعم أنه أخطأ أي لم يقصد السب ففي المعيار للونشريسي (2/345) سئل ابن أبي زيد القيرواني عن رجل لعن الله فقال إنما أردت أن ألعن الشيطان فزل لساني فأجاب ابن أبي زيد يقتل بظاهر كفره ، ولا يقبل عذره وأما فيما بينه وبين الله فمعذور «، وكل ذلك تعظيما منهم لشأن هذا الجريمة، ومما يقال لمن يتذرع بالغصب لماذا لا تسب والديك عندما تغضب؟ لماذا لا تجد إلا اسم ربك وخالقك والمنعم عليك فتسبه أو تسب دينه؟ إن مسارعة العبد إلى سب الله ودينه عند الغضب دليل على ضيقه بدين الإسلام، وبغضه الشديد لربه سبحانه.
هل تقليد الآباء عذر ينفي الكفر عن الساب؟
وبعض الناس يقول إننا نشأنا على ذلك الأبناء يتعلمون السباب والشتم من الآباء ويقلدونهم في ذلك، وليس هذا بشيء فإن هذا القول كقول إننا نشأنا على عبادة الصليب وجدنا آباءنا يعلقونه فعلقناه، وهذا كقول كفار العرب ]إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ[ (الزخرف:22) ، فهل نفعهم ذلك؟ وننبه أخيرا إلى أن إقامة الحدود حد الردة أو ترك الصلاة أو غيرها، وإنما هو للحاكم المسلم، وليس لكل الناس إقامته ، والمطلوب من كل مسلم يحب الله ورسوله ويغار على دينه أن ينذر الناس ويحذرهم من هذه الظاهرة الخطيرة ببيان حكمها عند الله تعالى ونقل أقوال العلماء في ذلك إقامة للحجة وقطعا للعذر، والله هو الهادي إلى سواء السبيل ، آخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
http://islahway.com/index.php?option=com_content&view=article&id=130:2010-02-20-14-23-02&catid=44:2010-02-12-18-48-33&Itemid=70
وقد رأيت أن أكتب هذه المقالة لبيان الحكم الأصلي الذي غفل عنه كثير من الناس بغض النظر عن إيقاع ذلك على الأشخاص، وهذا الحكم الذي اتفق عليه العلماء سلفا وخلفا، ودلت عليه قواطع الشريعة وهو تكفير من سب الله أو دينه، وإن كثيرا من الناس مع علمهم بالتحريم يظنون أن هذا من العمل من جنس المعاصي التي يكفرها الاستغفار والأعمال الحسنة، وهو في الواقع ردة عن الإسلام. المعاصي قسمان :
القسم الأول : معاص تدخل في باب الكفر والشرك بالله تعالى من مات عليها ولم يدخل في الإسلام ، حكمه الخلود في جهنم سواء كان كافرا أصليا أو كان ممن ولد بين المسلمين، لا يرث ولا يزوج بالمسلمات إذا مات لا يورث ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين، ومن هذه المعاصي السجود للقبور والأصنام والطواف بها ودعاء أصحابها ، وممارسة السحر وإهانة القرآن ورفض أحكامه والاستهزاء بالدين وشعائره ومنها أيضا سب الله ودينه ورسوله، وهذه المعاصي على من وقع فيها عالما بتحريمها أن يدخل في الإسلام مرة أخرى، لا ينفعه عند الله تعالى إلا ذلك.
القسم الثاني : معاص لا تدخل في الكفر وإنما تدل على ضعف الإيمان ونقصه(ومنها الصغائر ومنها الكبائر ) من مات عليها دون توبة لم يخرج من الإسلام ، ويستحق العقوبة في الدنيا وفي القبر وفي أرض المحشر ويستحق دخول النار أيضا ، ومعنى قولنا يستحق أن الله تعالى إن شاء غفر له بفضله وإن شاء عذبه بعدله فهو من أهل الوعيد- وهذا حكم من لم يتب كما قلنا -، ثم إذا دخل النار فإنه يبقى فيها بحسب معاصيه ولا يخلد فيها، لأننا نعتقد أن الموحدين تنالهم شفاعة المؤمنين والملائكة والنبيين، ومنهم من يخرج برحمة أرحم الراحمين.
أصل الإيمان وكماله
وقد يقال لماذا تكون بعض المخالفات مخرجة من الإسلام والبعض الآخر غير مخرجة موجبة للعذاب الشديد دون خلود؟ فنقول إن للإيمان أصلا وكمالا ، فأما الأصل فهو الذي يفارق به المسلمون أهل الكفر والإلحاد، وهو الإيمان بالله وبرسوله وبدينه، الإيمان الذي يجتمع فيه الإقرار والمحبة والإخلاص والتعظيم والقبول والانقياد ، والأعمال والأقوال التي ذكرنا في القسم الأول من الكفر أكبر، لأنها تنافي أصل الإيمان القلبي وتنقض عقد لا إله إلا الله ، فالساب لا يحب تعالى ولا يعظمه -وإن زعم ذلك بلسانه-، والمهين للقرآن الرافض لأحكامه غير معظم لله وغير قابل لدينه -وإن زعم ذلك بلسانه-، والداعي للأصنام والقبور والمستغيث بها غير مخلص لله -وإن زعم ذلك بلسانه- وهكذا.
وأما المعاصي المدرجة في القسم الثاني، ومنها الزنا والسرقة والكذب وغيرها؛ فهي لا تنافي الإيمان القلبي، ولكنها تدل على ضعفه ونقصانه وهي تنقض كمال الإيمان الواجب ( هو فعل الواجبات وترك المحظورات) الذي يستحق صاحبه الجنة ابتداء، فمن وقع في هذا الجنس من المعاصي فلضعف محبته لله لا لانتفائها، ولنقص تعظيمه لا لخلو قلبه منه، فافترق الحكم لافتراق الحال.
أدلة كفر ساب الله ودينه
1-قول الله تعالى :] وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [ (التوبة:65-66) ، وهذا نص صريح في كفر المستهزئ بالله وآياته ورسوله كفرا أكبر والساب مثله بل أولى منه بالكفر، لأن السب متضمن لمعنى الانتقاص والاستخفاف الذي يدل له الاستهزاء والسخرية ، قال ابن تيمية في الصارم المسلول (3/976): » والفقه فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعل فيه استهانة واستخفاف، كما أنه يوجب المحبة والتعظيم واقتضاؤه وجود هذا وعدم هذا أمر جرت به سنة الله في مخلوقاته… فالكلام والفعل المتضمن للاستخفاف والاستهانة مستلزم لعدم التصديق النافع، ولعدم الانقياد والاستسلام فلذلك كان كفرا « .
2-وقوله تعالى :] إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً[ (الأحزاب:57) قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية:» هذا يشمل كل أذية قولية وفعليه من سب وشتم أو تنقص له أو لدينه أو ما يعود إليه بالأذى « ، واللعن هو الطرد من رحمة الله وقد صرح أنهم ملعونون في الدنيا والآخرة فدل على كفرهم ، واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه الآية على وجوب قتل من سب الله أو رسوله، فقال (2/87): »فإن المؤمن يقرب إليها بعض الأوقات ولا يكون مباح الدم، لأن حقن الدم رحمة عظيمة من الله « .
3-وقوله تعالى :] وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [ (الأنعام 108) وفي هذا دلالة على أن السب أعظم من مجرد الشرك ، قال ابن تيمية(3/1026):»ومن المعلوم أنهم كانوا مشركين مكذبين معادين لرسوله، ثم نهى المسلمون أن يفعلوا ما يكون ذريعة إلى سبهم الله، فعلم أن سب الله أعظم عنده من أن يشرك به ويكذب رسوله « .
4-وقوله تعالى :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ[ (الحجرات:2) وجهه التهديد لمن رفع صوته فوق صوت النبي e وجهر له بالقول بحبوط الأعمال أي بطلانها وذهاب أجرها وهذه العقوبة ليست إلا لما يكون كفرا من الأقوال والأعمال، وذلك أن رفع الصوت هذا قد يكون مصحوبا باستخفاف وعدم احترام وتوقير فإن كان كذلك فهو كفر محبط للعمل ، وإذا كان هذا شأن من رفع صوته فوق صوت النبي e فكيف يكون حال من سبه وأهانه مباشرة؟ وكيف يكون حال من سب الله تعالى وسب دينه ؟!
5-دليل الإجماع، وقد حكاه غير واحد من العلماء ففي الصارم المسلول (2/15-16) عن إسحاق بن راهويه قال: »أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل … أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله « وعن محمد بن سحنون أنه قال: »أجمع العلماء على أن اتم النبي المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر « . وقال ابن حزم في المحلى (11/411):» وأما سب الله تعالى فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد« ، وقال القاضي عياض المالكي في الشفاء (2/582):» لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم « .
هل الغضب عذر ينفي الكفر عن الساب؟
وليس الغضب أو سوء الأدب مما يعذر به الساب عند الله تعالى أو عند القاضي المسلم، مثله مثل المازح والمستهزئ، وقد شدد العلماء جدا في هذا الأمر لأنه أكبر من مجرد الكفر كما سبق، قال ابن تيمية (3/1017) :» من سب الله تعالى فإن كان مسلما وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب ويعتقد أن ما هو عليه من الدين ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له « وقال ابن قدامة في المغني (10/113):» من سب الله تعالى كفر سواء كان مازحا أو جادا«، بل نص بعضهم على إقامة حد القتل حتى على من زعم أنه أخطأ أي لم يقصد السب ففي المعيار للونشريسي (2/345) سئل ابن أبي زيد القيرواني عن رجل لعن الله فقال إنما أردت أن ألعن الشيطان فزل لساني فأجاب ابن أبي زيد يقتل بظاهر كفره ، ولا يقبل عذره وأما فيما بينه وبين الله فمعذور «، وكل ذلك تعظيما منهم لشأن هذا الجريمة، ومما يقال لمن يتذرع بالغصب لماذا لا تسب والديك عندما تغضب؟ لماذا لا تجد إلا اسم ربك وخالقك والمنعم عليك فتسبه أو تسب دينه؟ إن مسارعة العبد إلى سب الله ودينه عند الغضب دليل على ضيقه بدين الإسلام، وبغضه الشديد لربه سبحانه.
هل تقليد الآباء عذر ينفي الكفر عن الساب؟
وبعض الناس يقول إننا نشأنا على ذلك الأبناء يتعلمون السباب والشتم من الآباء ويقلدونهم في ذلك، وليس هذا بشيء فإن هذا القول كقول إننا نشأنا على عبادة الصليب وجدنا آباءنا يعلقونه فعلقناه، وهذا كقول كفار العرب ]إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ[ (الزخرف:22) ، فهل نفعهم ذلك؟ وننبه أخيرا إلى أن إقامة الحدود حد الردة أو ترك الصلاة أو غيرها، وإنما هو للحاكم المسلم، وليس لكل الناس إقامته ، والمطلوب من كل مسلم يحب الله ورسوله ويغار على دينه أن ينذر الناس ويحذرهم من هذه الظاهرة الخطيرة ببيان حكمها عند الله تعالى ونقل أقوال العلماء في ذلك إقامة للحجة وقطعا للعذر، والله هو الهادي إلى سواء السبيل ، آخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
http://islahway.com/index.php?option=com_content&view=article&id=130:2010-02-20-14-23-02&catid=44:2010-02-12-18-48-33&Itemid=70