القول المبين في أخطاء المصلّين
العدد (10)
1/ أخطاء المصلّين في السّلام والمصافحة :
عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال :إذا لقي أحدكم أخاه ، فليسلّم عليه ، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ، ثم لقيه ، فليسلم عليه أيضاً(1) .
في هذا الحديث : أمره صلّى الله عليه و سلّم للمسلمين ، بأن يسلّم أحدهم على أخيه المسلم ، إذا لقيه ، لما فيه من جَمْع الشْمل ، ونفي البُغْض ، وجلب المحبة .والأمر في هذا الحديث إنما هو للاستحباب ، بمعنى أنه للحثّ ، والنَّدب ، وليس بواجب.
ولا فرق في ذلك بين مَنْ في المسجد أو خارجه ، بل دلّت السنّة الصحيحة على مشروعية السلام على مَنْ في المسجد ، سواء كان في صلاة أم لا .
والحاصل : أن السّلام والمصافحة تكون عند القدوم ، وحال الافتراق ، ولو كان يسيراً ، سواء كان في المسجد أو خارجه .
ولكن الأمر الذي يؤسف له أنك تسلم على الرجل عند لقائك بعد الصلاة ، قائلاً ((السلام عليكم ورحمة الله)) فيبادرك قائلاً ((تقبل الله))
ولم نعلم عن أحد من الصحابة أو السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا إذا فرغوا من صلاتهم التفت أحدهم عن يمينه وشماله ، مصافحاً مَنْ حوله ، مباركاً له بقبول الصّلاة ، ولو فعل ذلك أحد منهم ، لنقل إلينا ، ولو بسندٍ ضعيف ، ولنقله لنا أهل العلم ، الذين خاضوا في كل بحر ، فغاصوا في أعماقه ، واستخرجوا منه أحكامه الكثيرة ، ولم يفرّطوا في سنّة قولية أو فعلية أو تقريرية أو صفة(2).
2/ أخطاء المصلين في التّسبيح :
التسبيح والتكبير عقب الصلوات مستحب ، ليس بواجب ، ومن أراد أن يقوم قبل ذلك ، فله ذلك ، ولكن الأفضل الإتيان بالوارد عنه صلّى الله عليه و سلّم ، وخصوصاً أن الثابت عنه ـ أحيانا ـ أنه كان يسبح عشراً ، ويحمد عشراً ، ويكبر عشراً ، وكان يقول كل واحدة ـ أحياناً أُخرى ـ إحدى عشر مرّة(3) .
فعندما يتعرض المسلم لظرفٍ طارئ ، يشغله عن تمام التّسبيح ، فلْيأت بعشر تسبيحات ، ومثلها من التحميدات و التكبيرات ، ويكون بذلك قد أصاب عين السنّة ، ولم ينشغل عما أصابه.
فإن أبى إلا الخروج ، فلا ينبغي أن ينصرف قبل انتقال الإمام عن القبلة . ودليل ذلك : ما رواه مسلم في ((الصحيح)) من حديث أنس رضي الله عنه رفعه :((أيها الناس إني إمامكم ،فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف ))(4) .
فإن قعد يذكر الله تعالى ، فعليه بالاكتفاء بالمأثور ، فالأحاديث المعروفة في الصحاح والسنن والمسانيد ، تدل على أن النبي صلّى الله عليه و سلّم ، كان يدعو دبر صلاته ، قبل الخروج منها ، وكان يأمر أصحابه بذلك ، ويعلّمهم ذلك .
ولا يخفى أن الدّعاء مباشرة بعد الانصراف من الصلاة ، من مناجاة الله وخطابه ، غير مناسب ، ولهذا فإن دعاءه صلّى الله عليه و سلّم كان في صلب الصّلاة ، وإن المصلّي يناجي ربه ، فإذا دعا حال مناجاته له ، كان مناسباً(5) .
وكان صلّى الله عليه و سلّم يعقد التسبيح والتهليل بالأنامل .
قال عبد الله بن عمرو : ((رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يعقد التسبيح بيمينه))(6).
قال الشيخ ابن باز مجيباً على سؤال في حكم التسبيح بالمسبحة :
((تركها أولى ، وقد كرهها بعض أهل العلم ، والأفضل التسبيح بالأصابع ، كما كان يفعل ذلك النبي صلّى الله عليه و سلّم))(7)
قلت : لاسيما بعد الصّلاة ، فقد جاء الأمر بعقد الأنامل ، وأنهن مسؤولات ومستنطقات .
قال الشيخ الألباني : (( ولو لم يكن في السبحة إلا سيئة واحدة ، وهي أنها قضت على سنّة العدّ بالأصابع ، أو كادت ، مع اتفاقهم على أنها أفضل ، لكفى !!))(8).
3/ السّمر بعد صلاة العشاء :
عن أبي بَرْزة ـ رضي الله عنه ـ : أن الرسول ـ صلّى الله عليه و سلّم ـ كان يكره النوم قبل العشاء ، والحديث بعدها(9)،وعن عبد اللهبن مسعود رضي الله عنه : عن النبي صلّى الله عليه و سلّم قال: لاسمر بعد العشاء ، إلا لأحد رجلين : مصلّ ومسافر(10)،فالسمر بعد صلاة العشاء مكروه ، إذا لم يكن في أمر مطلوب .
4/ المرور بين يدي المصلِّين :
عن أبي عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : ((لاتصلّ إلاَّ إلى سترة ، ولا تدع أحداً يمرّ بين يديك ، فإن أبى فلتقاتله ،فإن معه القرين))(11).
وقد بين صلّى الله عليه و سلّم إثم المارّ بين يدي المصلّي ، فقال : ((لو يعلم المارُّ بين يدي المصلّي، فقال : لو يعلم المارُّبين يدي المصلّي ماذا عليه ، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمُرَّ بين يديه)) .
قال أبو النّضر ـ أحد رواة الحديث ـ : لا أدري أقال أربعين يوماً أو شهراً أو سنة(12).معناه : لو يعلم ما عليه من الإِثم لاختار الوقوف أربعين على ارتكاب ذلك الإِثم ، وفيه :النهي الأكيد ، والوعيد الشديد في ذلك(13).
وظاهر الأحاديث المنع من المرور بين يدي المصلّي ، سواء اتّخذ سترة أم لا ، إذ لم يفرق النبي صلّى الله عليه و سلّم فيها بين مستتر وغيره ، بل قال : بين يدي المصلّي .
والحرمة مقيّدة في الأحاديث السابقة بـ((بين يدي المصلي)) :
أي أمامه بالقرب منه ، وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما ، واختلف في تحديد ذلك ، فقيل : إذا مرّ بينه وبين مقدار سجوده ، وقيل : بينه وبين قدر ثلاثة أذرع . وقيل : بينه وبين قدر رميه بحجر (14).
ومتى بَعُد المارّ عما بين يدي المصلّي إذا لم يلق بين يديه سترة ، سَلِمَ من الإِثم ، لأنه إذا بعد عنه عرفاً لا يسمى ماراً بين يديه ، كالذي يمر من وراء السّترة(15) .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود في السّنن (5200)
(2) تمام الكلام في بدعيّة المصافحة بعد السّلام (ص:24-25) والمسجد في الإسلام (ص225)
(3) انظر مجموع فتاوى ابن تيميّة (22/494) و فتح الباري (2/329)
(4) أخرجه مسلم (426)
(5) انظر مجموع فتاوى ابن تيميّة (22/500)
(6) أخرجه أبو داود في السّنن (1502) والتّرمذي في الجامع (3486) والحاكم في المستدرك (1/547) والبيهقي في السّنن الكبرى (2/253) واسناده صحيح وصحّحه الذّهبي وحسّنه التّرمذي.
(7) الفتاوى (1/76)
(8) سلسلة الأحاديث الضّعيفة (1/117)
(9) أخرجه البخاري (568) ومسلم (647)
(10) أخرجه أحمد في المسند (1/444و412و463و375)
(11) أخرجه مسلم (260)
(12) أخرجه البخاري (510) ومسلم(507)
(13) شرح النّووي على صحيح مسلم (4/225) وفتح الباري (1/585)
(14) فتح الباري (1/585)
(15) تعليق الشّيخ بن باز على فتح الباري (1/582)