قوله " الحمد لله رب العالمين "
الحمد لله ولا شك أن الكلام على الحمد يتطلب أن نقف وقفات في 5 نقاط
1/ التعريف بالحمد: معنى الحمد
قال العلماء: هو وصف الممدوح بالكمال ( أي إذا وصفت إنسان بشيء حسن فقد حمدته ) إما لكَمال صفاته الذاتية أو لإحسانه وإنعامه وهذا الذي ينصره جمهور أهل اللغة
قال ابن منظور في لسان العرب : الحمد ضد الذم
وهناك تعريفان مشهوران يقول عنهما أهل العلم فيهما نظر
1/- قالوا أنه بمعنى الشكر ولا فرق بينهما منهم الإمام الطبري والمبرد ورده القرطبي في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى قال وهذا غير مرضي
ووجه كلام القرطبي قوي لأنه من المقرر في اللغة أنه ليس هناك ترادف من جميع الوجوه
وجمهور المفسرين واللغويين على أن ثمة فرق بين الحمد والشكر من وجهين :
وجه1: أن الشكر دائماً لا يكون إلا مقابل إحسان والحمد لا يكون فقط مقابل الإحسان بل يمكن أن يكون من غير سبق إحسان إذن الشكر يكون مقابل عطاء والحمد يكون مقابل عطاء ومن غير عطاء
يقول أئمة اللغة منهم ثعلب كما في لسان العرب : الشكر لا يكون إلا عن يد ( نعمة ) والحمد يكون عن يد وعن غير يد . فالأعم هو الحمد يكون مقابل عطاء ومن غير عطاء بل العكس مع الله عزوجل يكون مقابل العطاء ومن غير العطاء وبعكس العطاء وهذا كان حال الرسول كما رواه ابن ماجة عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
- لذلك تسمع في كلام المُناجين والداعين الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه
قال القرطبي في الأسنى : والصواب أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان والشكر ثناء على المشكور بما أولاه من الإحسان وهذا قول علماء اللغة كالزجاج والقُتبي (ابن قتيبة) وغيرهما
وجه2: أن الشكر يكون أكثر آلة بالقلب (الرضا والقناعة) وباللسان وبالجوارح
قال ابن القيم في بدائع الفوائد:
وأركان الشكر ثلاثة أولها الشكر بالقلب وثانيها شكره باللسان وثالثها هو صرف هذه النعمة فيما يرضي الله.
قال عزوجل( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً ) (سبأ: من الآية13) فاشترط في الشكر العمل أما الحمد يكون بالقلب واللسان فقط.
وقال أيضاً في مدارج السالكين ج: 2 ص: 246
أن الشكر يكون بالقلب خضوعا واستكانة وباللسان ثناء واعترافا وبالجوارح طاعة وانقيادا ومتعلقه النعم دون
الأوصاف الذاتية فلا يقال شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه وهو المحمود عليها كما هو محمود على
إحسانه وعدله والشكر يكون على الإحسان والنعم فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس وكل ما
يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان.
يقول بعض العلماء : الحمد أعم متعلقاً وأخص آلة أي يتعلق بالنعمة وبغير النعمة وله آلتا اللسان والقلب فقط
2/- ترى في كتب كثير من أهل العلم عند شرح مقدمته يقول الحمد هو الثناء الجميل
وهذا التعريف صحيح من باب التوسع والتجوز
الحمد هو وصف الممدوح بالكمال أما الثناء هو تكرار هذا الحمد ويدل عليه أمران من اللغة والحديث
من اللغة: الثناء هو التكرار في اللغة ومنه المثنى والسبع المثاني
من الحديث: ما رواه مسلم عن أبي هريرة قَال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
وما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقُلْتُ إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
2/ بيان معنى " ال " في الحمد:
تدل على الشمول والكمال والاستغراق فكأنك قلت كل الحمد لله لأنه سبحانه هو المنعم وحده لا شريك له بكل نعمة صغيرة وكبيرة وبكل نعمة دقيقة أو جليلة ولو مكث المرىء دهرا كاملا يحمد الله لأجل النعم ما وفاه حقه وداوود عليه السلام أدرك هذه الحقيقة فقال يا رب كيف أحمدك فإن حمدتك أنت الذي وفقتني وتلك نعمة تحتاج إلى حمد فقال الله له يا داوود الآن قد حمدت ( العجز عن الإدراك إدراك )
3/ لما عظُم أمر الحمد سمى الله نفسه بـ " الحميد "
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم 17 مرة ومعناه على الصحيح
حميد بمعنى حامد أي أن الله عزوجل يشكر للعبد عمله فيجازيه على القليل بالكثير
وقول أكثر العلماء حميد بمعنى محمود
قال أبو عبيدة والطبري والخطابي: الحميد هو المحمود الذي يستحق الحمد لصفاته وأفعاله (أي من سبق إحسان ومن غير سبق إحسان)
حمد الله تعالى نفسه لأنه سبحانه اِتصف بصفات الكمال الكمال بالعلم والإحاطة والمراقبة والسمع والإبصار فالله عزوجل بكل شيء عليم قال في محكم خطابه ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (الأنعام:59)
وكمل في صفاته فهو عدل لا يظلم مثقال ذرة قال سبحانه ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) (النساء:40) ويُحمد على أفعاله وعلى شرعه وقدره وخلقه ورزقه فله الحمد على كل حال
قال الإمام الحليمي في المنهاج في شعب الإيمان: وَالى بين مِنحه وتابع آلائه ومِننه حتى فاتت العد وإنْ بدل الإنسان في ذلك الجُهد فمن ذا الذي يستحق الحمد سواه فله الحمد كله لا لغيره كما أنّ المن منه لا من غيره
4/ لماذا حمد الله نفسه ؟
وقف العلماء تجاه هذا الجواب موقفين:
قول1: فمنهم من قال الحمد لله رب العالمين قاله المولى عزوجل وهو يريد الأمر فهو خبر يراد منه الأمر مثل قوله تعالى (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (الروم:17) الحمد لله رب العالمين أي احمدوا الله رب العالمين
قول2: أصوب وأصح قالوا إنّ الله حمد نفسه لأنه عَلِمَ أنه ما من عبد من عباده من الملائكة أو البشر أو الجن أو البهائم أو غير ذلك لا يستطيعون أن يحمدوه . لما عجز العباد عن حمدِ الله حمدَ الله تعالى نفسه
جاء تفسير ابن كثير ج: 1 ص: 3
الحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد فقال الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وقال تعالى الحمد لله
الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا وافتتح خلقه بالحمد فقال تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون واختتمه بالحمد فقال بعد ذكر مآل أهل الجنة وأهل النار وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ولهذا قال تعالى وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون
والنبي أيد القول الثاني فقد روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.
وسيد الخلق كان يستحب إكثار الحمد بكلمات جامعة
*روى مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ.
*روى الشيخان عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَهَجَّدَ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ وَبِكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.
*روى البخاري والترمذي وأحمد ومالك والنسائي وأبو داوود عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ قَالَ أَنَا قَالَ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ.
*روى مسلم وأحمد والدارمي عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا.
*روى مسلم والترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا.
5/ اسم النبي صلى الله عليه وسلم:
اشتهر النبي باسمين مشتقين من الحمد أحمد ومحمد ، أحمد هو المشهور في التوراة والإنجيل
قال العلماء هو أكثر الناس حمداً لله عزوجل
قال أحدهم : فَشَقَ لَهُ مِنْ اِسْمِهِ لِيُجِلَهُ فَذُو العَرْشِ مَحْمُودٌ وهَذَا أَحْمَدُ
محمد في اللغة كما في الصحاح للجوهري ولسان العرب هو الذي كثرت خصاله المحمودة
قال أحدهم : بلغ العُلى بكماله كشف الدُجى بجماله كملت جميع خصاله صلوا عليه وآله
رب
كلمة رب تطلق في اللغة على معاني 3 كلها صحيحة ذكرها كثير من العلماء متفرقة وجمعها الطبري وابن الأنباري
1/ المالك للشيء فكل من ملك شيئاً فهو رب ذلك الشيء
في الصحيحين عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ وِكَاءَهَا أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ قَالَ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ قَالَ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ وَمَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا قَالَ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ.
قال الزجاجي في إشتقاق أسماء الله الحسنى : وكل من ملك شيئًا فهو ربُه يقال هذا رب الدار ورب الضيعة ولا يقال الرب معرفاً إلا في حق الله.
وبهذا صرح ابن كثير وابن الأثير والقرطبي والبغوي والبيهقي والشوكاني في تفسيره
2/ السيد المطاع ومنه قوله تعالى( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً )(يوسف: من الآية41)
وقال سبحانه( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك )(يوسف: من الآية42)
ومنه قول العرب : رب فلان القوم أي سادهم وحكم أمورهم
قال صفوان ابن أمية : لَئِنْ يَرُبْنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيشٍ أَحَبُ إِلَيَ مِنْ أَنْ يَرُبْنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَزَانَ
3/ المُصلِح للشيء كلمة رب من التربية
قال الراغب الأصفهاني في المفردات: الرب في الأصل التربية وهي إنشاء الشيء حالاً بعد حال إلى حد التمام
ومنه الربيبة والرباني الذي يُعَلِم الناس العلم تدريجياً .
والمعاني الثلاثة ثابتة لله تعالى فالله هو المالك ولا مالك غيره وهو السيد المطاع ولا يطاع غيره والله هو المصلح لعباده والمنشئ لهم وهم في أرحام أمهاتهم
مسألة: هل الرب اسم من أسماء الله ؟
قول أهل السنة أثبتوا هذا الاسم كالخطابي في شأن الدعاء وابن منده في كتاب التوحيد والحليمي في المنهاج والبيهقي في الأسماء والصفات وابن حزم وابن العربي والقرطبي وابن القيم وابن الوزير وغيرهم والأدلة
*روى مسلم والدارمي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَمَ أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ.
*روى الترمذي عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي
جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ.
ذكر الطبري أن تربية الله لعباده نوعان عامة وخاصة
عامة للمؤمن والكافر والبر والفاجر والصالح والطالح
خاصة للمؤمنين وهي أعظم وهي أنّ الله يأخذ بيدك إليه ويدلك عليه حتى تنال رضاه وتصل إلى مبتغاه وهذه أعظم نعمة يمن الله بها على عباده
العالمين جمع عالم القدامى أكثروا الأقوال
الصواب الذي حققه المحققون من علماء التفسير وأئمة اللغة أنّ العالم هو ما سوى الله لأنّ الوجود إما خالق أو مخلوق فالله عزوجل هو الخالق وغيره مخلوق فهو عالم
قال ابن منظور : والعالمين جمع عالم والعالم كل ما هو مخلوق. ثم ذكر قول ابن عباس العالم هو الإنس والجن.
جاء في تفسير الطبري ج: 1 ص: 63
عن عكرمة عن ابن عباس رب العالمين الجن والإنس.
قال قتادة هو كل ما خلقه الله و في تفسير القرطبي عن الزجاج قال العالم ما خلقه الله في الدنيا والآخرة .
عالم من العلامة سميت كذلك لأنها دليل على شيء وسميت المخلوقات بالعالم لأنها تدل على خالقها
وحتى الجبال سميت أعلام قال تعالى( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ) (الرحمن:24)
قالت الخنساء : وإنَّ صَخْرًا لتَأْتَمُ الهُدَاةُ بِهِ كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأْسِهِ نَارٌ
قال أبو العتاهية: فَيَا عَجَبَا كَيْفَ يُعْصَى الإلَهُ أمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجَاحِدُ
ولله في كُلِ تَحْرِكَةٍ عَلَيْنَا و تَسْكِينَةٍ شَاهِدُ وفي كُلِ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُ عَلَى أنَّهُ وَاحِدُ
الحمد لله ولا شك أن الكلام على الحمد يتطلب أن نقف وقفات في 5 نقاط
1/ التعريف بالحمد: معنى الحمد
قال العلماء: هو وصف الممدوح بالكمال ( أي إذا وصفت إنسان بشيء حسن فقد حمدته ) إما لكَمال صفاته الذاتية أو لإحسانه وإنعامه وهذا الذي ينصره جمهور أهل اللغة
قال ابن منظور في لسان العرب : الحمد ضد الذم
وهناك تعريفان مشهوران يقول عنهما أهل العلم فيهما نظر
1/- قالوا أنه بمعنى الشكر ولا فرق بينهما منهم الإمام الطبري والمبرد ورده القرطبي في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى قال وهذا غير مرضي
ووجه كلام القرطبي قوي لأنه من المقرر في اللغة أنه ليس هناك ترادف من جميع الوجوه
وجمهور المفسرين واللغويين على أن ثمة فرق بين الحمد والشكر من وجهين :
وجه1: أن الشكر دائماً لا يكون إلا مقابل إحسان والحمد لا يكون فقط مقابل الإحسان بل يمكن أن يكون من غير سبق إحسان إذن الشكر يكون مقابل عطاء والحمد يكون مقابل عطاء ومن غير عطاء
يقول أئمة اللغة منهم ثعلب كما في لسان العرب : الشكر لا يكون إلا عن يد ( نعمة ) والحمد يكون عن يد وعن غير يد . فالأعم هو الحمد يكون مقابل عطاء ومن غير عطاء بل العكس مع الله عزوجل يكون مقابل العطاء ومن غير العطاء وبعكس العطاء وهذا كان حال الرسول كما رواه ابن ماجة عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
- لذلك تسمع في كلام المُناجين والداعين الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه
قال القرطبي في الأسنى : والصواب أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان والشكر ثناء على المشكور بما أولاه من الإحسان وهذا قول علماء اللغة كالزجاج والقُتبي (ابن قتيبة) وغيرهما
وجه2: أن الشكر يكون أكثر آلة بالقلب (الرضا والقناعة) وباللسان وبالجوارح
قال ابن القيم في بدائع الفوائد:
وأركان الشكر ثلاثة أولها الشكر بالقلب وثانيها شكره باللسان وثالثها هو صرف هذه النعمة فيما يرضي الله.
قال عزوجل( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً ) (سبأ: من الآية13) فاشترط في الشكر العمل أما الحمد يكون بالقلب واللسان فقط.
وقال أيضاً في مدارج السالكين ج: 2 ص: 246
أن الشكر يكون بالقلب خضوعا واستكانة وباللسان ثناء واعترافا وبالجوارح طاعة وانقيادا ومتعلقه النعم دون
الأوصاف الذاتية فلا يقال شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه وهو المحمود عليها كما هو محمود على
إحسانه وعدله والشكر يكون على الإحسان والنعم فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس وكل ما
يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان.
يقول بعض العلماء : الحمد أعم متعلقاً وأخص آلة أي يتعلق بالنعمة وبغير النعمة وله آلتا اللسان والقلب فقط
2/- ترى في كتب كثير من أهل العلم عند شرح مقدمته يقول الحمد هو الثناء الجميل
وهذا التعريف صحيح من باب التوسع والتجوز
الحمد هو وصف الممدوح بالكمال أما الثناء هو تكرار هذا الحمد ويدل عليه أمران من اللغة والحديث
من اللغة: الثناء هو التكرار في اللغة ومنه المثنى والسبع المثاني
من الحديث: ما رواه مسلم عن أبي هريرة قَال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
وما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقُلْتُ إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
2/ بيان معنى " ال " في الحمد:
تدل على الشمول والكمال والاستغراق فكأنك قلت كل الحمد لله لأنه سبحانه هو المنعم وحده لا شريك له بكل نعمة صغيرة وكبيرة وبكل نعمة دقيقة أو جليلة ولو مكث المرىء دهرا كاملا يحمد الله لأجل النعم ما وفاه حقه وداوود عليه السلام أدرك هذه الحقيقة فقال يا رب كيف أحمدك فإن حمدتك أنت الذي وفقتني وتلك نعمة تحتاج إلى حمد فقال الله له يا داوود الآن قد حمدت ( العجز عن الإدراك إدراك )
3/ لما عظُم أمر الحمد سمى الله نفسه بـ " الحميد "
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم 17 مرة ومعناه على الصحيح
حميد بمعنى حامد أي أن الله عزوجل يشكر للعبد عمله فيجازيه على القليل بالكثير
وقول أكثر العلماء حميد بمعنى محمود
قال أبو عبيدة والطبري والخطابي: الحميد هو المحمود الذي يستحق الحمد لصفاته وأفعاله (أي من سبق إحسان ومن غير سبق إحسان)
حمد الله تعالى نفسه لأنه سبحانه اِتصف بصفات الكمال الكمال بالعلم والإحاطة والمراقبة والسمع والإبصار فالله عزوجل بكل شيء عليم قال في محكم خطابه ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (الأنعام:59)
وكمل في صفاته فهو عدل لا يظلم مثقال ذرة قال سبحانه ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) (النساء:40) ويُحمد على أفعاله وعلى شرعه وقدره وخلقه ورزقه فله الحمد على كل حال
قال الإمام الحليمي في المنهاج في شعب الإيمان: وَالى بين مِنحه وتابع آلائه ومِننه حتى فاتت العد وإنْ بدل الإنسان في ذلك الجُهد فمن ذا الذي يستحق الحمد سواه فله الحمد كله لا لغيره كما أنّ المن منه لا من غيره
4/ لماذا حمد الله نفسه ؟
وقف العلماء تجاه هذا الجواب موقفين:
قول1: فمنهم من قال الحمد لله رب العالمين قاله المولى عزوجل وهو يريد الأمر فهو خبر يراد منه الأمر مثل قوله تعالى (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (الروم:17) الحمد لله رب العالمين أي احمدوا الله رب العالمين
قول2: أصوب وأصح قالوا إنّ الله حمد نفسه لأنه عَلِمَ أنه ما من عبد من عباده من الملائكة أو البشر أو الجن أو البهائم أو غير ذلك لا يستطيعون أن يحمدوه . لما عجز العباد عن حمدِ الله حمدَ الله تعالى نفسه
جاء تفسير ابن كثير ج: 1 ص: 3
الحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد فقال الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وقال تعالى الحمد لله
الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا وافتتح خلقه بالحمد فقال تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون واختتمه بالحمد فقال بعد ذكر مآل أهل الجنة وأهل النار وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ولهذا قال تعالى وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون
والنبي أيد القول الثاني فقد روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.
وسيد الخلق كان يستحب إكثار الحمد بكلمات جامعة
*روى مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ.
*روى الشيخان عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَهَجَّدَ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ وَبِكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.
*روى البخاري والترمذي وأحمد ومالك والنسائي وأبو داوود عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ قَالَ أَنَا قَالَ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ.
*روى مسلم وأحمد والدارمي عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا.
*روى مسلم والترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا.
5/ اسم النبي صلى الله عليه وسلم:
اشتهر النبي باسمين مشتقين من الحمد أحمد ومحمد ، أحمد هو المشهور في التوراة والإنجيل
قال العلماء هو أكثر الناس حمداً لله عزوجل
قال أحدهم : فَشَقَ لَهُ مِنْ اِسْمِهِ لِيُجِلَهُ فَذُو العَرْشِ مَحْمُودٌ وهَذَا أَحْمَدُ
محمد في اللغة كما في الصحاح للجوهري ولسان العرب هو الذي كثرت خصاله المحمودة
قال أحدهم : بلغ العُلى بكماله كشف الدُجى بجماله كملت جميع خصاله صلوا عليه وآله
رب
كلمة رب تطلق في اللغة على معاني 3 كلها صحيحة ذكرها كثير من العلماء متفرقة وجمعها الطبري وابن الأنباري
1/ المالك للشيء فكل من ملك شيئاً فهو رب ذلك الشيء
في الصحيحين عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ وِكَاءَهَا أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ قَالَ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ قَالَ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ وَمَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا قَالَ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ.
قال الزجاجي في إشتقاق أسماء الله الحسنى : وكل من ملك شيئًا فهو ربُه يقال هذا رب الدار ورب الضيعة ولا يقال الرب معرفاً إلا في حق الله.
وبهذا صرح ابن كثير وابن الأثير والقرطبي والبغوي والبيهقي والشوكاني في تفسيره
2/ السيد المطاع ومنه قوله تعالى( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً )(يوسف: من الآية41)
وقال سبحانه( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك )(يوسف: من الآية42)
ومنه قول العرب : رب فلان القوم أي سادهم وحكم أمورهم
قال صفوان ابن أمية : لَئِنْ يَرُبْنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيشٍ أَحَبُ إِلَيَ مِنْ أَنْ يَرُبْنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَزَانَ
3/ المُصلِح للشيء كلمة رب من التربية
قال الراغب الأصفهاني في المفردات: الرب في الأصل التربية وهي إنشاء الشيء حالاً بعد حال إلى حد التمام
ومنه الربيبة والرباني الذي يُعَلِم الناس العلم تدريجياً .
والمعاني الثلاثة ثابتة لله تعالى فالله هو المالك ولا مالك غيره وهو السيد المطاع ولا يطاع غيره والله هو المصلح لعباده والمنشئ لهم وهم في أرحام أمهاتهم
مسألة: هل الرب اسم من أسماء الله ؟
قول أهل السنة أثبتوا هذا الاسم كالخطابي في شأن الدعاء وابن منده في كتاب التوحيد والحليمي في المنهاج والبيهقي في الأسماء والصفات وابن حزم وابن العربي والقرطبي وابن القيم وابن الوزير وغيرهم والأدلة
*روى مسلم والدارمي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَمَ أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ.
*روى الترمذي عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي
جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ.
ذكر الطبري أن تربية الله لعباده نوعان عامة وخاصة
عامة للمؤمن والكافر والبر والفاجر والصالح والطالح
خاصة للمؤمنين وهي أعظم وهي أنّ الله يأخذ بيدك إليه ويدلك عليه حتى تنال رضاه وتصل إلى مبتغاه وهذه أعظم نعمة يمن الله بها على عباده
العالمين جمع عالم القدامى أكثروا الأقوال
الصواب الذي حققه المحققون من علماء التفسير وأئمة اللغة أنّ العالم هو ما سوى الله لأنّ الوجود إما خالق أو مخلوق فالله عزوجل هو الخالق وغيره مخلوق فهو عالم
قال ابن منظور : والعالمين جمع عالم والعالم كل ما هو مخلوق. ثم ذكر قول ابن عباس العالم هو الإنس والجن.
جاء في تفسير الطبري ج: 1 ص: 63
عن عكرمة عن ابن عباس رب العالمين الجن والإنس.
قال قتادة هو كل ما خلقه الله و في تفسير القرطبي عن الزجاج قال العالم ما خلقه الله في الدنيا والآخرة .
عالم من العلامة سميت كذلك لأنها دليل على شيء وسميت المخلوقات بالعالم لأنها تدل على خالقها
وحتى الجبال سميت أعلام قال تعالى( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ) (الرحمن:24)
قالت الخنساء : وإنَّ صَخْرًا لتَأْتَمُ الهُدَاةُ بِهِ كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأْسِهِ نَارٌ
قال أبو العتاهية: فَيَا عَجَبَا كَيْفَ يُعْصَى الإلَهُ أمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجَاحِدُ
ولله في كُلِ تَحْرِكَةٍ عَلَيْنَا و تَسْكِينَةٍ شَاهِدُ وفي كُلِ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُ عَلَى أنَّهُ وَاحِدُ