الأصـل الثّالث: ( الإيـمـان بـالـكـتب)
الإيمان بالكتب: هو التّصديق الجازم بأنّ لله تعالى كتبا أنزلها على أنبيائه ورسله لبيان حقيقة التّوحيد والدّعوة إليه، ونؤمن على سبيل التّفصيل بما سمّى الله منها: كالتّوراة، والإنجيل، والزّبور، والقرآن العظيم، والقرآن أفضلُها وخاتمُها والمُهَيمِنُ عليها، والمصدّقُ لها، وهو الّذي يجب على جميع العباد اتّباعه وتحكيمه، مع ما صحّت به السُّنَّة.
الأصـل الرّابع: ( الإيـمـان بـالـرّسـل)
الإيمان بالرّسل: هو التّصديق الجازم بأنّ الله عز وجلّ أرسَلَ رُسُلاً وأيّدهم بالبراهين والآيات والمعجزات، وجعلهم هُدَاةً إلى الحقّ دالّين عليه، وهم كثير منهم من قُصَّ علينا ومنهم من لم يُقَصَّ علينا، فنؤمن بهم إجمالا ونؤمن بهم تفصيلا فيما بلغنا تفصيله.
هل هناك فرق بين النّبي والرّسول؟: نعم هناك فرق.
قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.[الحج:52]، قوله:{مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ}.العطف يقتضي المغايرة.
قال ابن تيمية في كتابه النبوات (ص/184): معنى كلامه الرّسول من أرسل إلى قوم مخالفين (مشركين)..أما النّبي فهو الّذي يوحى إليه ويبعث إلى قوم موافقين (مؤمنين).
روى الطبراني في الكبير بسند صحيح عن أبي ذرّ قال: قلت يا رسول الله كم وفاء عدّة الأنبياء ؟. قال:( مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الرّسل من ذلك ثلاث مائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا )
الأصـل الخامس: ( الإيـمـان بـالـيـوم الآخـر)
الإيمان باليوم الآخر: هو التّصديق الجازم بأنّ هناك يوماً يبعث الله فيه العباد فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. ويدخل في ذلك:
§ الإيمان بأشراط السّاعة وأماراتها الّتي تكون قبلها لا محالة: قال تعالى:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أنَّ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً
فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } [محمد:18]
ومن الأحاديث في ذلك: أنَّ النّبي صلّى الله عليه و سلّم لما تذاكروا عنده الساعة قال: ( إنّها لن تكون حتّى تروا قبلها عشر آيات .. ) الحديث. [رواه مسلم] ، فدلَّ ذلك على أنّ ثمّت أشراط قريبة منها سمّاها النّبي آيات.
§ الإيمان بالموت: قال تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}.[السجدة:11]
وقال سبحانه:{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } [آل عمران:185]
الإيمان بفتنة القبر ونعيمه أو عذابه: من الأحاديث في ذلك حديث البراء بن عازب وفيه أنّه قال في المؤمن:( فيناد منادٍ من السّماء أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنّة، وألبسوه من الجنّة، وافتحوا له باباً إلى الجنّة، فيأتيه من ريحها وطيبها، ويفسح له في قبره مدّ بصره) وقال في الكافر:( فيناد منادٍ من السّماء، أن كذب عبدي فافرشوه من النّار، وافتحوا له باباً إلى النّار، فيأتيه من حرّها وسمومها،ويضيق عليه قبره حتّى تختلف أضلاعه) رواه أحمد بسند صحيح
§ الإيمان بالنّفخ في الصّور وخروج الخلائق من القبور: قال تعالى:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى
رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ }.[يس:51]. وقال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ }.[الزمر:68]
الإيمان بالحشر: قال تعالى:{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا } [مريم:85]، وقال سبحانه:{ وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} [الكهف:47]
وقال الرّسول صلّى الله عليه و سلّم :( يحشر النّاس على ثلاث طرائق راغبين راهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير. وتَحشر بقيتهم النّار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا ) [متفق عليه]
وقال صلّى الله عليه و سلّم:( يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ) [متفق عليه واللفظ لمسلم]
§ الإيمان بالعرض والحساب: قال سبحانه:{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ
زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً }.[الكهف:48].وقال :{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ }.[الحاقة:18]
أمّا فيما يخصّ الحساب: قال سبحانه:{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }.[المجادلة:6].وقال تعالى:{ فَلَنَسْأَ لَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَ لَنَّ الْمُرْسَلِينَ }.[الأعراف:6]
§ الإيمان بنشر الصّحف: قال سبحانه:{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ
مَنْشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً }. [الإسراء:13-14] وقال:{ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ }
§ الإيمان بوضع الموازين: قال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }.[الأنبياء:47]
وكذا حديث البطاقة الّتي فيها الشّهادتان وأنّها ترجح بتسعين سجلاًّ. رواه الترمذي وحسّنه وصحّحه الألباني
§ الإيمان بالصّراط : وهو أدقّ من الشّعرة وأحدّ من السّيف.قال صلّى الله عليه و سلّم في حديث الشّفاعة :( يؤتى بالجسر فيجعل
بين ظهري جهنّم) قلنا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال:( مدحضة مزلّة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عُقيفاء تكون بنجد يقال لها السّعدان يمرّ المؤمن عليها كالبرق وكالرّيح وكأجاويد الخيل والرّكاب فناج مسلّم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنّم حتّى يمرّ آخرهم يسحب سحبا ) [متفق عليه]
قال أبو سعيد:" بلغني أنّ الجسر أدقّذ منّ الشّعرة وأحدّ من السّيف". رواه مسلم
§ الإيمان بالقصاص: قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا
عَظِيمًا } [النساء: 40]، وقال سبحانه:{ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [الزمر: 69]
وقال الرّسول صلّى الله عليه و سلّم:( أوّل ما يقضى بين النّاس في الدّماء ) [ متفق عليه]
§ الإيمان بالحوض: قال الله عزّ وجلّ لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم:{ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ }
ومن الأحاديث في ذلك: قوله صلّى الله عليه و سلّم:( أنا فرطكم على الحوض ) [متفق عليه]
وقوله صلّى الله عليه و سلّم:( حوضي مسيرة شهر ) [متفق عليه]
§ الإيمان بالشّفاعة وأنواعها: وشروط الشّفاعة في الشّرع هي الّتي يتوفّر فيها شرطان:
أحدهما: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع، وقد دل على هذا الشرط قوله تعالى:{ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [البقَرة : 255]، وقوله تعالى:{ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [سبأ:23]
الثاني: رضا الله عن المشفوع له أن يشفع فيه، وقد دل على هذا الشرط قوله تعالى:{ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } [الأنبياء:28].
وقد دلت النصوص أن الله لا يرضى أن يشفع إلا في أهل التوحيد لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلّى الله عليه و سلّم قال:( لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا ). وقال تعالى في الكفار: { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } [المدثر: 48]
§ الإيمان بالجنّة والنّار: قال تعالى:{ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَبَشِّرِ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ }. [البقرة: 24-25]
وفي الصّحيحين من دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صلاة الليل:( ولك الحمد أنت الحقّ ووعدك الحقّ ولقاؤك حقّ وقولك حقّ والجنّة حقّ والنّار حقّ .. ) الحديث
§ الإيمان برؤية الله تعالى. قال تعالى:{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }.[القيامة:22،23]، وقال:{ لَهُم
مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }.[ق:35] وقال سبحانه:{ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]
الأصـل السّادس: ( الإيـمـان بـالـقـدر )
الإيمان بالقدر: هو الاعتقاد الجازم بأنّ كلّ خير وكلّ شرّ هو بقضاء من الله وقدره.قال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، وقال سبحانه:{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } [الأحزاب:38]
وقال الرّسول صلّى الله عليه و سلّم:( لا يؤمن عبدٌ حتّى يؤمن بالقدر خيره وشرّه حتّى يعلمَ أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه ) [ورواه الترمذي بسند صححه الألباني]
ومنه حديث جبريل" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ".[متفق عليه]
مراتب الإيمان بالقضاء والقدر:
1- الإيمان بعلم الله الأزلي بكلّ شيء قبل وجوده، ومن ذلك علمه بأعمال العباد قبل أن يعملوها. قال تعالى:{
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [ الحشر:22]، وقال سبحانه:{ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [ الطلاق:12]
2- الإيمان بأنّ الله كتب ذلك في اللّوح المحفوظ. قال تعالى:{ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } [يسن:12] وقال سبحانه:{ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ } [الحج: 70]
3- الإيمان بمشيئة الله الشّاملة لكلّ حادث وقدرته التّامة عليه. قال الله تعالى:{ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } [ الإنسان:30]، وقال تعالى:{ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24]
4- الإيمان بإيجاد الله لكلّ المخلوقات، وأنّه الخالق وحده، وما سواه مخلوق. قال تعالى:{ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [الزمر:63]، وقال سبحانه:{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات: 96]
والله أعلى وأعلم وهو الموفق وحده وسبحانك الّلهمّ وبحمدك أشهد ألا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الإيمان بالكتب: هو التّصديق الجازم بأنّ لله تعالى كتبا أنزلها على أنبيائه ورسله لبيان حقيقة التّوحيد والدّعوة إليه، ونؤمن على سبيل التّفصيل بما سمّى الله منها: كالتّوراة، والإنجيل، والزّبور، والقرآن العظيم، والقرآن أفضلُها وخاتمُها والمُهَيمِنُ عليها، والمصدّقُ لها، وهو الّذي يجب على جميع العباد اتّباعه وتحكيمه، مع ما صحّت به السُّنَّة.
الأصـل الرّابع: ( الإيـمـان بـالـرّسـل)
الإيمان بالرّسل: هو التّصديق الجازم بأنّ الله عز وجلّ أرسَلَ رُسُلاً وأيّدهم بالبراهين والآيات والمعجزات، وجعلهم هُدَاةً إلى الحقّ دالّين عليه، وهم كثير منهم من قُصَّ علينا ومنهم من لم يُقَصَّ علينا، فنؤمن بهم إجمالا ونؤمن بهم تفصيلا فيما بلغنا تفصيله.
هل هناك فرق بين النّبي والرّسول؟: نعم هناك فرق.
قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.[الحج:52]، قوله:{مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ}.العطف يقتضي المغايرة.
قال ابن تيمية في كتابه النبوات (ص/184): معنى كلامه الرّسول من أرسل إلى قوم مخالفين (مشركين)..أما النّبي فهو الّذي يوحى إليه ويبعث إلى قوم موافقين (مؤمنين).
روى الطبراني في الكبير بسند صحيح عن أبي ذرّ قال: قلت يا رسول الله كم وفاء عدّة الأنبياء ؟. قال:( مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الرّسل من ذلك ثلاث مائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا )
الأصـل الخامس: ( الإيـمـان بـالـيـوم الآخـر)
الإيمان باليوم الآخر: هو التّصديق الجازم بأنّ هناك يوماً يبعث الله فيه العباد فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. ويدخل في ذلك:
§ الإيمان بأشراط السّاعة وأماراتها الّتي تكون قبلها لا محالة: قال تعالى:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أنَّ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً
فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } [محمد:18]
ومن الأحاديث في ذلك: أنَّ النّبي صلّى الله عليه و سلّم لما تذاكروا عنده الساعة قال: ( إنّها لن تكون حتّى تروا قبلها عشر آيات .. ) الحديث. [رواه مسلم] ، فدلَّ ذلك على أنّ ثمّت أشراط قريبة منها سمّاها النّبي آيات.
§ الإيمان بالموت: قال تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}.[السجدة:11]
وقال سبحانه:{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } [آل عمران:185]
الإيمان بفتنة القبر ونعيمه أو عذابه: من الأحاديث في ذلك حديث البراء بن عازب وفيه أنّه قال في المؤمن:( فيناد منادٍ من السّماء أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنّة، وألبسوه من الجنّة، وافتحوا له باباً إلى الجنّة، فيأتيه من ريحها وطيبها، ويفسح له في قبره مدّ بصره) وقال في الكافر:( فيناد منادٍ من السّماء، أن كذب عبدي فافرشوه من النّار، وافتحوا له باباً إلى النّار، فيأتيه من حرّها وسمومها،ويضيق عليه قبره حتّى تختلف أضلاعه) رواه أحمد بسند صحيح
§ الإيمان بالنّفخ في الصّور وخروج الخلائق من القبور: قال تعالى:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى
رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ }.[يس:51]. وقال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ }.[الزمر:68]
الإيمان بالحشر: قال تعالى:{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا } [مريم:85]، وقال سبحانه:{ وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} [الكهف:47]
وقال الرّسول صلّى الله عليه و سلّم :( يحشر النّاس على ثلاث طرائق راغبين راهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير. وتَحشر بقيتهم النّار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا ) [متفق عليه]
وقال صلّى الله عليه و سلّم:( يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ) [متفق عليه واللفظ لمسلم]
§ الإيمان بالعرض والحساب: قال سبحانه:{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ
زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً }.[الكهف:48].وقال :{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ }.[الحاقة:18]
أمّا فيما يخصّ الحساب: قال سبحانه:{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }.[المجادلة:6].وقال تعالى:{ فَلَنَسْأَ لَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَ لَنَّ الْمُرْسَلِينَ }.[الأعراف:6]
§ الإيمان بنشر الصّحف: قال سبحانه:{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ
مَنْشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً }. [الإسراء:13-14] وقال:{ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ }
§ الإيمان بوضع الموازين: قال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }.[الأنبياء:47]
وكذا حديث البطاقة الّتي فيها الشّهادتان وأنّها ترجح بتسعين سجلاًّ. رواه الترمذي وحسّنه وصحّحه الألباني
§ الإيمان بالصّراط : وهو أدقّ من الشّعرة وأحدّ من السّيف.قال صلّى الله عليه و سلّم في حديث الشّفاعة :( يؤتى بالجسر فيجعل
بين ظهري جهنّم) قلنا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال:( مدحضة مزلّة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عُقيفاء تكون بنجد يقال لها السّعدان يمرّ المؤمن عليها كالبرق وكالرّيح وكأجاويد الخيل والرّكاب فناج مسلّم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنّم حتّى يمرّ آخرهم يسحب سحبا ) [متفق عليه]
قال أبو سعيد:" بلغني أنّ الجسر أدقّذ منّ الشّعرة وأحدّ من السّيف". رواه مسلم
§ الإيمان بالقصاص: قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا
عَظِيمًا } [النساء: 40]، وقال سبحانه:{ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [الزمر: 69]
وقال الرّسول صلّى الله عليه و سلّم:( أوّل ما يقضى بين النّاس في الدّماء ) [ متفق عليه]
§ الإيمان بالحوض: قال الله عزّ وجلّ لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم:{ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ }
ومن الأحاديث في ذلك: قوله صلّى الله عليه و سلّم:( أنا فرطكم على الحوض ) [متفق عليه]
وقوله صلّى الله عليه و سلّم:( حوضي مسيرة شهر ) [متفق عليه]
§ الإيمان بالشّفاعة وأنواعها: وشروط الشّفاعة في الشّرع هي الّتي يتوفّر فيها شرطان:
أحدهما: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع، وقد دل على هذا الشرط قوله تعالى:{ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [البقَرة : 255]، وقوله تعالى:{ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [سبأ:23]
الثاني: رضا الله عن المشفوع له أن يشفع فيه، وقد دل على هذا الشرط قوله تعالى:{ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } [الأنبياء:28].
وقد دلت النصوص أن الله لا يرضى أن يشفع إلا في أهل التوحيد لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلّى الله عليه و سلّم قال:( لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا ). وقال تعالى في الكفار: { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } [المدثر: 48]
§ الإيمان بالجنّة والنّار: قال تعالى:{ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَبَشِّرِ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ }. [البقرة: 24-25]
وفي الصّحيحين من دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صلاة الليل:( ولك الحمد أنت الحقّ ووعدك الحقّ ولقاؤك حقّ وقولك حقّ والجنّة حقّ والنّار حقّ .. ) الحديث
§ الإيمان برؤية الله تعالى. قال تعالى:{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }.[القيامة:22،23]، وقال:{ لَهُم
مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }.[ق:35] وقال سبحانه:{ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]
الأصـل السّادس: ( الإيـمـان بـالـقـدر )
الإيمان بالقدر: هو الاعتقاد الجازم بأنّ كلّ خير وكلّ شرّ هو بقضاء من الله وقدره.قال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، وقال سبحانه:{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } [الأحزاب:38]
وقال الرّسول صلّى الله عليه و سلّم:( لا يؤمن عبدٌ حتّى يؤمن بالقدر خيره وشرّه حتّى يعلمَ أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه ) [ورواه الترمذي بسند صححه الألباني]
ومنه حديث جبريل" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ".[متفق عليه]
مراتب الإيمان بالقضاء والقدر:
1- الإيمان بعلم الله الأزلي بكلّ شيء قبل وجوده، ومن ذلك علمه بأعمال العباد قبل أن يعملوها. قال تعالى:{
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [ الحشر:22]، وقال سبحانه:{ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [ الطلاق:12]
2- الإيمان بأنّ الله كتب ذلك في اللّوح المحفوظ. قال تعالى:{ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } [يسن:12] وقال سبحانه:{ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ } [الحج: 70]
3- الإيمان بمشيئة الله الشّاملة لكلّ حادث وقدرته التّامة عليه. قال الله تعالى:{ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } [ الإنسان:30]، وقال تعالى:{ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24]
4- الإيمان بإيجاد الله لكلّ المخلوقات، وأنّه الخالق وحده، وما سواه مخلوق. قال تعالى:{ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [الزمر:63]، وقال سبحانه:{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات: 96]
والله أعلى وأعلم وهو الموفق وحده وسبحانك الّلهمّ وبحمدك أشهد ألا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك.