قوله " إيّـاك نعبد و إيّـاك نستعين "
هذه الآية هي قطب رحى هذه السورة أي أهم وأعظم ما جاء في هذه السورة
قال العلماء: هذه الآية التي يرجع القرآن كله إليها فهي حوت على تجريد التوحيد لله رب العبيد واشتملت على التوكل الصحيح والثناء والدعاء وإقبال على الله لذلك كان في الآية فوائد عدة
فائدة 1: معنى العبادة
في اللغة: هي الذُل والذِلة ومنه قولهم طريق مُعبَد أي مذلل للسير عليه
في الشرع: هي الذِلة مع شدة المحبة
عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية: العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
الأعمال الظاهرة كالصلوات والحج والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد
الأعمال الباطنة كالحب في الله والولاء والبراء
الأقوال الظاهرة كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير
الأقوال الباطنة كتنزيه العبد لربه وحديثه القلبي من تنزيه وتحميد وتسبيح وتأمل وغير ذلك
فائدة 2: تحقيق التوحيد
قُدم المفعول عن الفعل فهو يدل على الحصر إيّاك نعبد فكأنه حصر العبادة كلها لله وحده وهذا هو معنى لا إله إلا الله ففيها توحيد العبادة وكذلك إيّاك نستعين فيها توحيد الإستعانة وفائدة التقديم الإهتمام والأدب مع الله وهناك فرق بين الحصر في إيّاك نعبد وإيّاك نستعين
إيّاك نعبد هنا حصر عام
إيّاك نستعين هنا حصر فيما لا يقدر عليه الناس لأنّ الإستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائزة لأدلة
كقول جويرية للنبي جئت أستعين بك في مكاتبتي
لما رواه البخاري و أحمد والنسائي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَتَتْنِي بَرِيرَةُ تَسْتَعِينُنِي فِي مُكَاتَبَتِهَا فَقُلْتُ لَهَا إِنْ شَاءَ مَوَالِيكِ صَبَبْتُ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً وَأَعْتَقْتُكِ فَاسْتَأْمَرَتْ مَوَالِيَهَا فَقَالُوا لَا إِلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ لَنَا الْوَلَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.
فائدة 3: تحقيق توحيد المتابعة
الله عزوجل أمر بعبادته ولكن بشرط الإستعانة به وأعظم شيء يُستعان به على عبادته هو ما دل عليه الرسول فكان معنى الشطر الأول من الآية (إيّاك نعبد) لا إله إلا الله ومعنى الشطر الثاني (إيّاك نستعين) وأشهد أنّ محمد رسول الله .
لذلك قال العلماء أنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خاصاً لوجهه موافقاً لشرعه
قال الشافعي : نعبد الله على مراد الله
فائدة 4: تحقيق التوكل على الله
فالعبد مأمور بعبادة الله على الوجه المشروع ومنه قوله تعالى( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)(هود:من الآية123) وقوله عزوجل (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)(المزمل:من الآية9) وقوله (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا)(الملك:من الآية29)
قال العلماء : إيّاك نعبد دفع للرياء وإيّاك نستعين دفع للكبرياء
قال ابن القيم في مدارج السالكين ج:1ص:54
إن القلب يعرض له مرضان عظيمان إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولا بد وهما الرياء والكبر فدواء الرياء بإياك نعبد ودواء الكبر بإياك نستعين وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول إياك نعبد تدفع الرياء وإياك نستعين تدفع الكبرياء فإذا عوفى من مرض الرياء بإياك نعبد ومن مرض الكبرياء والعجب بإياك نستعين ومن مرض الضلال والجهل باهدنا الصراط المستقيم عوفى من أمراضه وأسقامه ورفل في أثواب العافية وتمت عليه النعمة وكان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم وهم أهل فساد القصد الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه والضالين وهم أهل فساد العلم الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه وحق لسورة تشتمل على هذين الشفاءين أن يستشفى بها من كل مرض.
فائدة 5: في الآية إلتفات
من أول السورة كنا نتحدث عن الله بأسلوب الغَيبة (الحمد لله رب العالمين) (الرحمن الرحيم) (مالك يوم الدين) ثم (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) أسلوب التكلم
قال ابن كثير في تفسيره ج: 1 ص: 26
وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب وهو مناسبة لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى فلهذا قال إياك نعبد وإياك نستعين.
فائدة 6: تحقيق الأدب مع الله
من آداب الدعاء وأسباب الإجابة تقديم ثناء فإذا كان الثناء يُحمد مع العبد فكيف مع الخالق
قال أحدهم أَخْلِقْ بِذِي الصَبْرِ أنْ يَحْظَى بِحَاجَتِه ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبْوابِ أنْ يَلِجَ
قال النووي في الأذكار : أجمع العلماء على استحباب إبتداء الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه ثم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وكذلك يُختم الدعاء بهما
لذلك قسم الله السورة نصفين فقال نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سئل
روى الترمذي والنسائي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ غَدَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي صَلَاتِي فَقَالَ كَبِّرِي اللَّهَ عَشْرًا وَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا وَاحْمَدِيهِ عَشْرًا ثُمَّ سَلِي مَا شِئْتِ يَقُولُ نَعَمْ نَعَمْ .
روى الترمذي والنسائي وأحمد عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ قَالَ ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ.
فائدة 7: الله عزوجل قدم العبادة على الإستعانة
من باب تقديم الغاية على الوسيلة
روى أحمد عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ.
فائدة 8: في الآية تحقيق الإفتخار بالعبودية
ما معنى النون في إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ؟ أجوبة العلماء 3
قول1: المراد هو جنس العبادة يخبر عن نفسه والعباد
قول2: هي نون العظمة لأنّ مقام العبودية لله مقام تشريف وتعظيم
قال ابن القيم في مدارج السالكين ج: 1 ص: 102
ووصف أكرم خلقه عليه وأعلاهم عنده منزلة بالعبودية في أشرف مقاماته فقال تعالى(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) وقال تبارك وتعالى( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده )وقال (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) فذكره بالعبودية في مقام إنزال الكتاب عليه وفي مقام التحدي بأن يأتوا بمثله وقال (وأنه لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) فذكره بالعبودية في مقام الدعوة إليه وقال(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا)فذكره بالعبودية في مقام الإسراء وفي الصحيح عنه أنه قال لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم فإنما أنا عبد
فقولوا عبدالله ورسوله.
قول3: هي للأدب مع الله فكأنّ الذي يقول إيّاك أعبد كأنّه جعل نفسه أهلاً لعبادة الله وحده
فائدة 9: أعظم العبادات
قال ابن القيم : أفضل العبادات ما كانت موافقة لوقتها
وأعظم العبادات في وقت الفراغ هو ذكر الله بأنواعه ومنه
ما رواه الترمذي وابن ماجة عن أَبَي هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ .
روى الترمذي وأحمد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى . قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
فائدة 10: توجيه قراءة إيّـاك
تقرأ بتشديد الياء إيّـاك
قال ابن كثير في تفسيره وشذ عمرو بن فايد قرأ إيـاك وهي قراءة مردودة لأنّ إياك ضوء الشمس
لذلك ذكر هذه اللفظة بكر بن عبد الله أبو زيد في معجم المناهي اللفظية (أشياء لا يجوز أن تقولها)
هذه الآية هي قطب رحى هذه السورة أي أهم وأعظم ما جاء في هذه السورة
قال العلماء: هذه الآية التي يرجع القرآن كله إليها فهي حوت على تجريد التوحيد لله رب العبيد واشتملت على التوكل الصحيح والثناء والدعاء وإقبال على الله لذلك كان في الآية فوائد عدة
فائدة 1: معنى العبادة
في اللغة: هي الذُل والذِلة ومنه قولهم طريق مُعبَد أي مذلل للسير عليه
في الشرع: هي الذِلة مع شدة المحبة
عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية: العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
الأعمال الظاهرة كالصلوات والحج والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد
الأعمال الباطنة كالحب في الله والولاء والبراء
الأقوال الظاهرة كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير
الأقوال الباطنة كتنزيه العبد لربه وحديثه القلبي من تنزيه وتحميد وتسبيح وتأمل وغير ذلك
فائدة 2: تحقيق التوحيد
قُدم المفعول عن الفعل فهو يدل على الحصر إيّاك نعبد فكأنه حصر العبادة كلها لله وحده وهذا هو معنى لا إله إلا الله ففيها توحيد العبادة وكذلك إيّاك نستعين فيها توحيد الإستعانة وفائدة التقديم الإهتمام والأدب مع الله وهناك فرق بين الحصر في إيّاك نعبد وإيّاك نستعين
إيّاك نعبد هنا حصر عام
إيّاك نستعين هنا حصر فيما لا يقدر عليه الناس لأنّ الإستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائزة لأدلة
كقول جويرية للنبي جئت أستعين بك في مكاتبتي
لما رواه البخاري و أحمد والنسائي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَتَتْنِي بَرِيرَةُ تَسْتَعِينُنِي فِي مُكَاتَبَتِهَا فَقُلْتُ لَهَا إِنْ شَاءَ مَوَالِيكِ صَبَبْتُ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً وَأَعْتَقْتُكِ فَاسْتَأْمَرَتْ مَوَالِيَهَا فَقَالُوا لَا إِلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ لَنَا الْوَلَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.
فائدة 3: تحقيق توحيد المتابعة
الله عزوجل أمر بعبادته ولكن بشرط الإستعانة به وأعظم شيء يُستعان به على عبادته هو ما دل عليه الرسول فكان معنى الشطر الأول من الآية (إيّاك نعبد) لا إله إلا الله ومعنى الشطر الثاني (إيّاك نستعين) وأشهد أنّ محمد رسول الله .
لذلك قال العلماء أنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خاصاً لوجهه موافقاً لشرعه
قال الشافعي : نعبد الله على مراد الله
فائدة 4: تحقيق التوكل على الله
فالعبد مأمور بعبادة الله على الوجه المشروع ومنه قوله تعالى( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)(هود:من الآية123) وقوله عزوجل (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)(المزمل:من الآية9) وقوله (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا)(الملك:من الآية29)
قال العلماء : إيّاك نعبد دفع للرياء وإيّاك نستعين دفع للكبرياء
قال ابن القيم في مدارج السالكين ج:1ص:54
إن القلب يعرض له مرضان عظيمان إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولا بد وهما الرياء والكبر فدواء الرياء بإياك نعبد ودواء الكبر بإياك نستعين وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول إياك نعبد تدفع الرياء وإياك نستعين تدفع الكبرياء فإذا عوفى من مرض الرياء بإياك نعبد ومن مرض الكبرياء والعجب بإياك نستعين ومن مرض الضلال والجهل باهدنا الصراط المستقيم عوفى من أمراضه وأسقامه ورفل في أثواب العافية وتمت عليه النعمة وكان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم وهم أهل فساد القصد الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه والضالين وهم أهل فساد العلم الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه وحق لسورة تشتمل على هذين الشفاءين أن يستشفى بها من كل مرض.
فائدة 5: في الآية إلتفات
من أول السورة كنا نتحدث عن الله بأسلوب الغَيبة (الحمد لله رب العالمين) (الرحمن الرحيم) (مالك يوم الدين) ثم (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) أسلوب التكلم
قال ابن كثير في تفسيره ج: 1 ص: 26
وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب وهو مناسبة لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى فلهذا قال إياك نعبد وإياك نستعين.
فائدة 6: تحقيق الأدب مع الله
من آداب الدعاء وأسباب الإجابة تقديم ثناء فإذا كان الثناء يُحمد مع العبد فكيف مع الخالق
قال أحدهم أَخْلِقْ بِذِي الصَبْرِ أنْ يَحْظَى بِحَاجَتِه ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبْوابِ أنْ يَلِجَ
قال النووي في الأذكار : أجمع العلماء على استحباب إبتداء الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه ثم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وكذلك يُختم الدعاء بهما
لذلك قسم الله السورة نصفين فقال نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سئل
روى الترمذي والنسائي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ غَدَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي صَلَاتِي فَقَالَ كَبِّرِي اللَّهَ عَشْرًا وَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا وَاحْمَدِيهِ عَشْرًا ثُمَّ سَلِي مَا شِئْتِ يَقُولُ نَعَمْ نَعَمْ .
روى الترمذي والنسائي وأحمد عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ قَالَ ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ.
فائدة 7: الله عزوجل قدم العبادة على الإستعانة
من باب تقديم الغاية على الوسيلة
روى أحمد عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ.
فائدة 8: في الآية تحقيق الإفتخار بالعبودية
ما معنى النون في إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ؟ أجوبة العلماء 3
قول1: المراد هو جنس العبادة يخبر عن نفسه والعباد
قول2: هي نون العظمة لأنّ مقام العبودية لله مقام تشريف وتعظيم
قال ابن القيم في مدارج السالكين ج: 1 ص: 102
ووصف أكرم خلقه عليه وأعلاهم عنده منزلة بالعبودية في أشرف مقاماته فقال تعالى(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) وقال تبارك وتعالى( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده )وقال (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) فذكره بالعبودية في مقام إنزال الكتاب عليه وفي مقام التحدي بأن يأتوا بمثله وقال (وأنه لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) فذكره بالعبودية في مقام الدعوة إليه وقال(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا)فذكره بالعبودية في مقام الإسراء وفي الصحيح عنه أنه قال لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم فإنما أنا عبد
فقولوا عبدالله ورسوله.
قول3: هي للأدب مع الله فكأنّ الذي يقول إيّاك أعبد كأنّه جعل نفسه أهلاً لعبادة الله وحده
فائدة 9: أعظم العبادات
قال ابن القيم : أفضل العبادات ما كانت موافقة لوقتها
وأعظم العبادات في وقت الفراغ هو ذكر الله بأنواعه ومنه
ما رواه الترمذي وابن ماجة عن أَبَي هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ .
روى الترمذي وأحمد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى . قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
فائدة 10: توجيه قراءة إيّـاك
تقرأ بتشديد الياء إيّـاك
قال ابن كثير في تفسيره وشذ عمرو بن فايد قرأ إيـاك وهي قراءة مردودة لأنّ إياك ضوء الشمس
لذلك ذكر هذه اللفظة بكر بن عبد الله أبو زيد في معجم المناهي اللفظية (أشياء لا يجوز أن تقولها)