الأصـل الرّابع: ( رفـض الـسّـلـف لـتـأويـل الـنّـصـوص ).
فقد ابتدع المتأخّرون معنًى للتّأويل لم يكن معروفا لدى السّلف، وقالوا: هو صرف اللّفظ عن ظاهره أو صرفه من الاحتمال الرّاجح إلى الاحتمال المرجوح، ومن أجلّ من بين معنى التّأويل وموقف السّلف منه ابن تيمية رحمه الله في"نقض التّأسيس" و"المجموع" (3/56) وهو ما يعرف بالرسالة التدمرية، و(17/364-372) و"الصفدية "(1/291)، وابن القيم في "الصواعق المرسلة".
وتـحت هـذا الأصـل مـبـحـثـان وقـاعـدة:
- أوّلـهـمـا: بـيـان معنى التّأويل:
التّأويل في اللّغة من آل يؤول أولا، إذا رجع، ومنه انتهى إلى الشّيء، نحو قولك: مآل هذا الفعل النّدم، ومنه قوله تعالى: { ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }، أي مرداًّ
أمّا شرعا: فله معنيان:
أ) التّفسير: نحو قوله تعالى حكاية عن يوسف:{ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً}، وقوله حكاية عن ملأ الملك:{وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ}، وقول النبي r:( اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ )
ب) الحقيقة التي يصير إليها الكلام: وذلك بأن تخبر عن شيء ثمّ يحدث على وِفقِ ما أخبرت، ومن ذلك قوله تعالى:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} الأعراف
فتأويل ما أخبر الله تعالى به عن يوم القيامة هو نفس ما يحدث في ذلك اليوم، وتأويل بعض صفات الله تعالى هو حقيقة ما يدرك يوم القيامة. وهذا المعنيان هما الثابتان عن السّلف.
أمّا المعنى الثّالث فقد قال ابن تيمية رحمه الله:" أمّا التّأويل بمعنى صرف اللّفظ عن مفهومه إلى غير مفهوم فلم يكن معروف عن السّلف". [ المجموع (17/364-372)، "نقض التّأسيس" (2/241)].
وقال في" نقض التّأسيس": " التّأويل هو بيان مراد المتكلّم، وليس فقط بيان ما يحتمله اللّفظ في اللّغة".
وقال في" الصفدية "( 1/291): " وكان السّلف ينكرون التّأويلات الّتي تُخرج الكلام عن مراد الله ورسولهr الّتي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه، فكانوا يُنكرون التّأويل الباطل الّذي لذي هو التفسير الباطل.. ".
- ثـانـيـهـمـا: بـيـان خـطـر الـتّـأويـل.
يظهر لنا خطر التّأويل من وجوه عديدة ، أهّمها:
1) أنه ينافي أمر الله والتّسليم له بالطّاعة، فهو عز وجل أمرنا بأن نطيعه في كلّ أمر وأن لا نقدم رأيا ولا شيخا ولا عقلا على كلامه حتّى في مسائل الفروع كالوضوء والاستنجاء ونحو ذلك، فكيف بالعلم بالله وأسمائه وصفاته الّذي هو أشرف العلوم وأجلّها على الإطلاق؟
قال الصدّيق حسن خان في"خبيئة الأكوان"(ص/266-267):
"اعلم أن الله تعالى لمّا بعث رسوله إلى العرب من العرب نبيّه محمّدا r رسولا إلى النّاس جميعا وصف لهم ربّهم سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه الكريمة ـ فلم يسأله أحد من العرب بأسرهم: قرويّهم أو بدويّهم عن معنى شيء من ذلك كما كانوا يسألونه عن أمر الصّلاة والزّكاة والصّيام والحجّ وغر ذلك ممّا لله فيه أمر ونهي،وكما سألوه عن أحوال القيامة والجنّة والنّار، إذ لو سألوه عن شيء من الصّفات اللإلهيّة لنُقِل كما نقلت الحاديث الواردة عنه صلّى الله عليه و سلّم في أحكام الحلال والحرام، وفي التّرغيب والتّرهيب، وأحوال القيامة والملاحم والفتن ونحو ذلك ممّا تضمّنته كتب الحديث ومعاجمها ومسانيدها وجوامعها، ومن أمعن النظر في دواوين الحدي النّبويّ ووقف على الآثار السّلفية علم أنّه لم يَرِد قط من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصّحابة y على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه و سلّم عن معنى شيء ممّا وصف به الربّ سبحانه به نفسه في القرآن الكريم وعلى لسان نبيّه محمّد صلّى الله عليه و سلّم ، بل كلّهم فهموا معنى ذلك، وسكتوا عن الكلام في الصفات".
وقال ابن تيمية رحمه الله في "المجموع" (6/394):
"الذي أقوله الآن وأكتبه وإن كنت لم أكتبه فيما تقدّم من أجوبتي، وإنّما أقوله في كثير من المجالس أنّ جميع ما في القرآن من آيات الصّفات فليس عن الصّحابة اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التّفاسير المنقولة عن الصّحابة وما رووه من الحديث ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصّغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصّحابة أنّه تأوّل شيئا من آيات الصّفات أو أحاديث الصّفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف".
2) أنّه مفتاح شرّ على هذه الأمّة، قال ابن القيّم رحمه الله في "إعلام الموقّعين":"وبالجملة فافتراق أهل الكتابين، وافتراق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة إنّما أوجبه التّأويل، وإنّما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفّين والحرّة وفتنة ابن الزّبير وهلمّ جرّا بالتّأويل، وإنّما دخل أعداء الإسلام من المتفلسفة والقرامطة والباطنية والإسماعيلية والنصيرية من باب التأويل،فما امتحن الإسلام بمحنة قط إلاّ وسببها التّأويل ..."
3) أنّ التّأويل طريق الكفر والعياذ بالله: يقول ابن تيمية رحمه الله في"درء التّعارض"(5/10):" ونُلزِم كلّ من سلك سبيل التّأويل بلازم لا ينفكّ عنه إلاّ مكابرةً، وهو أنّ ما يسلكه المتكلّمون من الأشاعرة وغيرهم في تأويل الصّفات، هو بعينه ما يسلكه الملاحدة الدّهريّة في إنكار ما أخبر الله به عباده من أمور اليوم الآخر والمعاد كابن سينا في " الرّسالة الضحويّة ".
- قـاعـدة: الـقـرائـن الـمـتّـصـلـة بـالـخـطـاب لا تـعـدّ تـأويـلا.
قال ابن تيمية رحمه الله في "المجموع"(6/13-15): ما ملخصه:
"أنّ نصّ الصّفات يُفسّر كلّ منها بحسب السّياق واللّحاق،والقرائن تدلّ إن كان منها أو لا، فليس معنى الإتيان في كلّ نصّ معناه إتيانه بنفسه، فقد يراد به ذلك كما في قوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [ البقرة:210]،وأحيانا لا يكون منها، كما في قوله تعالى:{فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ}[النحل:26]،{فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر:2].
فقد ابتدع المتأخّرون معنًى للتّأويل لم يكن معروفا لدى السّلف، وقالوا: هو صرف اللّفظ عن ظاهره أو صرفه من الاحتمال الرّاجح إلى الاحتمال المرجوح، ومن أجلّ من بين معنى التّأويل وموقف السّلف منه ابن تيمية رحمه الله في"نقض التّأسيس" و"المجموع" (3/56) وهو ما يعرف بالرسالة التدمرية، و(17/364-372) و"الصفدية "(1/291)، وابن القيم في "الصواعق المرسلة".
وتـحت هـذا الأصـل مـبـحـثـان وقـاعـدة:
- أوّلـهـمـا: بـيـان معنى التّأويل:
التّأويل في اللّغة من آل يؤول أولا، إذا رجع، ومنه انتهى إلى الشّيء، نحو قولك: مآل هذا الفعل النّدم، ومنه قوله تعالى: { ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }، أي مرداًّ
أمّا شرعا: فله معنيان:
أ) التّفسير: نحو قوله تعالى حكاية عن يوسف:{ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً}، وقوله حكاية عن ملأ الملك:{وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ}، وقول النبي r:( اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ )
ب) الحقيقة التي يصير إليها الكلام: وذلك بأن تخبر عن شيء ثمّ يحدث على وِفقِ ما أخبرت، ومن ذلك قوله تعالى:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} الأعراف
فتأويل ما أخبر الله تعالى به عن يوم القيامة هو نفس ما يحدث في ذلك اليوم، وتأويل بعض صفات الله تعالى هو حقيقة ما يدرك يوم القيامة. وهذا المعنيان هما الثابتان عن السّلف.
أمّا المعنى الثّالث فقد قال ابن تيمية رحمه الله:" أمّا التّأويل بمعنى صرف اللّفظ عن مفهومه إلى غير مفهوم فلم يكن معروف عن السّلف". [ المجموع (17/364-372)، "نقض التّأسيس" (2/241)].
وقال في" نقض التّأسيس": " التّأويل هو بيان مراد المتكلّم، وليس فقط بيان ما يحتمله اللّفظ في اللّغة".
وقال في" الصفدية "( 1/291): " وكان السّلف ينكرون التّأويلات الّتي تُخرج الكلام عن مراد الله ورسولهr الّتي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه، فكانوا يُنكرون التّأويل الباطل الّذي لذي هو التفسير الباطل.. ".
- ثـانـيـهـمـا: بـيـان خـطـر الـتّـأويـل.
يظهر لنا خطر التّأويل من وجوه عديدة ، أهّمها:
1) أنه ينافي أمر الله والتّسليم له بالطّاعة، فهو عز وجل أمرنا بأن نطيعه في كلّ أمر وأن لا نقدم رأيا ولا شيخا ولا عقلا على كلامه حتّى في مسائل الفروع كالوضوء والاستنجاء ونحو ذلك، فكيف بالعلم بالله وأسمائه وصفاته الّذي هو أشرف العلوم وأجلّها على الإطلاق؟
قال الصدّيق حسن خان في"خبيئة الأكوان"(ص/266-267):
"اعلم أن الله تعالى لمّا بعث رسوله إلى العرب من العرب نبيّه محمّدا r رسولا إلى النّاس جميعا وصف لهم ربّهم سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه الكريمة ـ فلم يسأله أحد من العرب بأسرهم: قرويّهم أو بدويّهم عن معنى شيء من ذلك كما كانوا يسألونه عن أمر الصّلاة والزّكاة والصّيام والحجّ وغر ذلك ممّا لله فيه أمر ونهي،وكما سألوه عن أحوال القيامة والجنّة والنّار، إذ لو سألوه عن شيء من الصّفات اللإلهيّة لنُقِل كما نقلت الحاديث الواردة عنه صلّى الله عليه و سلّم في أحكام الحلال والحرام، وفي التّرغيب والتّرهيب، وأحوال القيامة والملاحم والفتن ونحو ذلك ممّا تضمّنته كتب الحديث ومعاجمها ومسانيدها وجوامعها، ومن أمعن النظر في دواوين الحدي النّبويّ ووقف على الآثار السّلفية علم أنّه لم يَرِد قط من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصّحابة y على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه و سلّم عن معنى شيء ممّا وصف به الربّ سبحانه به نفسه في القرآن الكريم وعلى لسان نبيّه محمّد صلّى الله عليه و سلّم ، بل كلّهم فهموا معنى ذلك، وسكتوا عن الكلام في الصفات".
وقال ابن تيمية رحمه الله في "المجموع" (6/394):
"الذي أقوله الآن وأكتبه وإن كنت لم أكتبه فيما تقدّم من أجوبتي، وإنّما أقوله في كثير من المجالس أنّ جميع ما في القرآن من آيات الصّفات فليس عن الصّحابة اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التّفاسير المنقولة عن الصّحابة وما رووه من الحديث ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصّغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصّحابة أنّه تأوّل شيئا من آيات الصّفات أو أحاديث الصّفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف".
2) أنّه مفتاح شرّ على هذه الأمّة، قال ابن القيّم رحمه الله في "إعلام الموقّعين":"وبالجملة فافتراق أهل الكتابين، وافتراق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة إنّما أوجبه التّأويل، وإنّما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفّين والحرّة وفتنة ابن الزّبير وهلمّ جرّا بالتّأويل، وإنّما دخل أعداء الإسلام من المتفلسفة والقرامطة والباطنية والإسماعيلية والنصيرية من باب التأويل،فما امتحن الإسلام بمحنة قط إلاّ وسببها التّأويل ..."
3) أنّ التّأويل طريق الكفر والعياذ بالله: يقول ابن تيمية رحمه الله في"درء التّعارض"(5/10):" ونُلزِم كلّ من سلك سبيل التّأويل بلازم لا ينفكّ عنه إلاّ مكابرةً، وهو أنّ ما يسلكه المتكلّمون من الأشاعرة وغيرهم في تأويل الصّفات، هو بعينه ما يسلكه الملاحدة الدّهريّة في إنكار ما أخبر الله به عباده من أمور اليوم الآخر والمعاد كابن سينا في " الرّسالة الضحويّة ".
- قـاعـدة: الـقـرائـن الـمـتّـصـلـة بـالـخـطـاب لا تـعـدّ تـأويـلا.
قال ابن تيمية رحمه الله في "المجموع"(6/13-15): ما ملخصه:
"أنّ نصّ الصّفات يُفسّر كلّ منها بحسب السّياق واللّحاق،والقرائن تدلّ إن كان منها أو لا، فليس معنى الإتيان في كلّ نصّ معناه إتيانه بنفسه، فقد يراد به ذلك كما في قوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [ البقرة:210]،وأحيانا لا يكون منها، كما في قوله تعالى:{فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ}[النحل:26]،{فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر:2].