أجر من تعهد القرآن و هو عليه شاق
أخرج الشيخان البخاري[1] و مسلم[2] في صحيحهما من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي r قال : ( مثل الذي يقرأ القرآن و هو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، و مثل الذي يقرأ القرآن و هو عليه شديد فله أجران). هذا لفظ البخاري.
و لفظ مسلم: ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، و الذي يقرأ القرآن و يتتعتع فيه و هو عليه شاق له أجران).
- الماهر: قال النووي هو الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف و لا يشق عليه القراءة بجودة حفظه و إتقانه.
و أما الذي يتتعتع فيه فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران، أجر بالقراءة و أجر تتعتعه في تلاوته و مشقته.
تنبيه : قال ابن التين:اختلف هل له ضعف أجر الذي يقرأ القرآن حافظا، أو يضاعف له أجره، و أجر الأول أعظم! قال : و هذا أظهر، و لمن رجح الأول أن يقول الأجر على قدر المشقة و هو الظاهر و الله أعلم.[3]
توضيح: قد يتبادر إلى الذهن أن كون الذي يتتعتع في القرآن و هو عليه شاق فيحصل له أجران هو أفضل و أعظم أجرا منالماهر به الحافظ له المتقن لقراءته و تلاوته، بل الأمر على خلاف ذلك إذ الذي استحق أن يكون مع السفرة الكرام البررة لا شك أنه أعظم و أكثر أجرا من غيره.
قال القاضي عياض[4] رحمه الله: ليس معناه أن الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل و أكثر أجرا لأنه مع السفرة و له أجور كثيرة، و لم تذكر هذه المنزلة لغيره.
و السفرة هم الملائكة سمّوا سفرة لأنه ينزلون بالوحي و ما يقع به الصلاح بين الناس، كالسفير الذي يصلح بين القوم ، و يقال الثفرة الكتبة و أحدهم سافر، و سمّي الكتاب سفرا لأنه يسفر الشيء و يبيّنه.[5]
أجر المملوك إذا أدّى حق الله و حق مواليه
أخرج البخاري في صحيحه[6] من حديث أبي موسى الأشعري tعن النبي r قال : ( ثلاثة لهم أجران، و ذكر العبد المملوك إذا أدى حق الله و حق مواليه…) الحديث تقدم في رواية عنده من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله r قال : ( العبد إذا نصح سيده و أحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين ) .
و عنده أيضا من حديث أبي هريرة t : (للعبد المملوك الصالح أجران).[7]
و هذا الأخير لفظه عام و هو اسم لما تقدم من الشرطين و هما حسن العبادة و التصح للسيد، و نصيحة السيد تشمل أداء حقه من الخدمة و غيرها.
و جاء في بعض روايات أبي موسى الأشعري t بيان حق الله و حق السيد في قوله r : (للمملوك الذي يحسن عبادة ربه، و يؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق و النصيحة و الطاعة أجران).
معنى الحديث
قال ابن عبد البر رحمه الله: معنى هذا الحديث عندي أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان طاعة ربه في العبادات و طاعة سيده في المعروف فقام بهما جميعا كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعته، لأنه قد ساواه في طاعة الله، و فضل عليه بطاعة من أمره الله بطاعته.
و قال الحافظ: و قيل سبب التضعيف أنه زاد لسيده نصحا، و في عبادة ربه إحسانا فكان له أجر الواجبين، و أجر الزيادة عليهما و قيل إن تضعيف الأجر مختصا بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله و طاعة السيد فيعمل عملا واحدا و يؤجر عليه أجران بالاعتبارين. اهـ[8]
و قال النووي : في هذا الحديث فضيلة ظاهرة للمملوك المصلح و هو الناصح لسيده، و القائم بعبادة ربهالمتوجهة عليه، و أن له أجرين لقيامه بالحقين لانكساره بالرق. اهـ[9]
من توضيح: يقال هل كون العبد المملوك الصالح له أجران أنه أفضل الحر و أعظم أجرا منه و هل ما قاله أبو هريرة t بعد هذا الحديث دليل على ذلك ؟
قال القرطبي رحمه الله و هو يزيل هذا الإشكال : إن كون المملوك له أجره مرتين إنما ذلك لتعدد الجهتين، لأنه مطالب من جهة الله تعالى بعبادته، و من جهة سيده بطاعته، و مع ذلك فالحر و إن طلب من جهة واحدة، فوظائفه فيها أكثر، و غناؤه أعظم، فثوابه أكثر، و قد أشار إلى هذا أبو هريرة بقوله: لولا الجهاد و الحج و برّ أمي لأحببت أن أموت و أنا مملوك.[10]
أجر الرجل يعلّم أمته ثم يعتقها و يتزوجها
أخرج البخاري[11] من حديث أبي موسى الأشعري t عن النبي r : (ثلاثة لهم أجران: و ذكر … و رجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها و علّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران ) .
وجه التضعيف في الحديث
يقول الكرماني عن المظهري: المراد بحصول الأجرين له هنا بالاعتاق و التزوج، لأن التأديب و التعليم موجبان للأجر في الأجنبي و الأولاد و جميع الناس فلم يكن مختصا بالإماء و قيّد بالتأديب و التعليم لأنه أكمل للأجر إذ تزوّج المرأة المؤدبة المعلمة أكثر بركة و أقرب أن تعين زوجها على دينها.[12]
و يقول صاحب فيض القدير على البخاري : إن الأجرين على الإعتاق بما فيه ( أي التأديب و التعليم ) و على النكاح، لأن الإعتاق عبادة مستقلة، و سائر الأمور فبله تمهيدات له و كذا التزوج بعد الإعتاق عبادة مستقلة أخرى.[13]
ـ هل يكون العتق صداقا؟
اختلف أهل العلم في هل يكون العتق صداقا لمن تزوج أمته بعد عتقها أم لا بد من مهر جديد؟
ذهب سعيد بن الميب و إبراهيم النخعي و طاوس و الزهري، و من الفقاء الثوري و أبو يوسف و أحمد و إسحاق إلى أنه إذا أعتق الرجل أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد و العتق و المهر على ظاهر الحديث، و حديث أنس بن مالك: ( أنّ رسول الله r أعتق صفية و جعل عتقها صداقها).أخرجه البخاري.[14]
و ذهب آخرون إلى عدم الجواز حتى يجعل لها مهرا سوى العتق و به قال مالك و أبو حنيفة قاله القرطبي.
و قال الترمذي : و القول الأول أصح، و كذا رجحه ابن دقيق العيد و ابن الصلاح، و النووي و الحافظ، و توقف البخاري في الحكم كما هو واضح من تبويبه للحديث: باب من جعل عتق الأمة صداقها و استدل المانعون بأن عتق صفية وتزوجها من خصائصه r .[15]
و بما أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ص 68 و البيهقي في السنن 7/128 من حديث أبي موسى مرفوعا: ( إذا أعتق الرجل أمته ثم أمهرها مهرا جديدا كان له أجران). و حسنه ابن حجر .
أجر الحاكم و العالم إذا اجتهد فأصاب
أخرج البخاري في صحيحه[16] و مسلم[17] عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله r يقول: ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، و إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.
الضابط في الأجر و الاجتهاد
قال ابن المنذر : إنما يؤجر الحاكم إذا أخطأ إذا كان عالما بالاجتهاد و إذا لم يكن عالما فلا.
و قال الحافظ: إذا بذل وسعه أجر، فإن أصاب ضوعف أجره لكن لو أقدم فحكم أو أفتى بغير علم لحقه الإثم.
و يقول النووي في توضيح ذلك: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران، أجر باجتهاده و أجر بإصابته، و إن أخطأ فله أجر باجتهاده، وفي الحديث محذوف تقديره: إذا أراد الحاكم أن يحكم فاجتهد، و قالوا : أما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فلا أجر له بل هو آثم، و لا ينفذ حكمه سواء وافق الصواب أم لا! و هي مردودة كلها و لا يعذر في شيء من ذلك. و نحوه قال الخطابي: إنما يءجر المجتهد إذا كان جامعا لآلة الاجتهاد فهو الذي نعذره بالخطأ، بخلاف المتكلف فيخاف عليه، ثم إنما يؤجر العالم لأن اجتهاده في طلب الحق عبادة.اهـ [18]
الاجتهاد لغة و اصطلاحا
في اللغة: هو افتعال من الجهد، و هو المشقة، و هو الطاقة.
في الاصطلاح: هو بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط.
شرط الاجتهاد أو المجتهد
قال أهل العلم: و شرط المجتهد، الإحاطة بمدارك الأحكام و هي الأصول و ما يعتبر للحكم في الجملة من حيث الكمية و المقدار أو من حيث الكيفية كتقديم ما يجب تأخيره، أو تأخير ما يجب تقديمه.
الشيء المجتهد فيه
قال الزركشي : هو كل حكم شرعي عملي أو علمي يقصد به العلم ليس فيه دليل قطعي.
مقصد المجتهد
يجب أن يكون مقصد المجتهد في اجتهاده طلب الحق عند الله، و إصابة العين التي يجتهد فيها، و ذهب البعض إلى أن عليه أن يقصد طلب الحق عند نفسه لأن ما عند الله لا يعلم إلا بالنص. قال الزركشي : و على كلا المذهبين عليه أن يتوصل باجتهاده إلى طلب الحق و إصابة العين.[19]
[1] الفتح كتاب التفسير/ سورة عبس 8/691
[2] النووي على مسلم ، صلاة المسافرين 6/84-85
[3] الفتح 8/693
[4] نقلا من تحفة الأحوذي 8/216
[5] شرح السنة للبغوي 3/5
[6] فتح الباري ، العلم/باب تعليم الرجل أمته 1/190
[7] فتح الباري 5/175
[8] فتح الباري 5/176
[9] شرح مسلم 11/135
[10] المفهم 4/355
[11] فتح الباري 1/190- 9/126
[12] شرح البخاري للكرماني 1/90
[13] 1/192
[14] فتح الباري 9/128-130 بتصرف .
[15] نفس المصدر السابق.
[16]فتح الباري كتاب الإعتصام / باب أجر الحاكم إذا اجتهد… 13/319
[17] شرح النووي كتاب الأقضية 12/13
[18] نقلا من الفتح 13/319
[19] البحر المحيط للزركشي 6/23