أجر القرابة وأجر الصدقة
أخرج البخاري[1] ومسلم[2] في صحيحهما عن زينب امرأة عبد الله قالت : كنت في المسجد فرأيت النبي r فقال :تصدقن ولو من حليكن ، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها فقالت لعبد الله : سل رسول الله r أيجزئ عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة ؟ فقال : سلي أنت رسول الله r، فانطلقت إلى النبي r فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي ، فمر علينا بلال ، فقلنا : سل النبي r أيجزيء عني أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري وقلنا : لا تخبر بنا ، فدخل فسأله فقال : من هما ؟ قال : زينب ، قال أي الزيانيب ؟ قال : امرأة عبد الله ، قال : نعم ولها أجران : أجر القرابة وأجر الصدقة .
دلالة الحديث
الحديث فيه دلالة على أن الصدقة على الأقارب و ذوي الأرحام فيها أجران ، أجر الصدقة وأجر القرابة والصلة ، وكذلك فيه الحث والترغيب على الصدقة على الأقارب إذا كانوا محتاجين وفقراء فهم أولى من غيرهم .
وفي السنة بيان لذلك ، فقد أخرج الترمذي في السنن[3] ، وابن حبان في صحيحه[4]، وابن خزيمة[5] وأحمد في المسند[6] جميعا من حديث سلمان بن عامر عن النبي r قال : ( الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم اثنان، صدقة ، وصلة ). أي أجر الصدقة ، و أجر صلته للأقارب. قال الحافظ[7]: و من الأحاديث الواردة في بيان فضل الصدقة على الأقارب ما أخرجه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضى الله عنها أن النبي r قال : ( أفضل الصدقة : الصدقة على ذي الرحم الكاشح).
الكاشح : هو العدو الذي يضمر عداوته ويطوي عليها كشحه أي باطنه . والكشح : هو الخصر ، قاله ابن الأثير[8] .
ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري أن ميمونة زوج النبي r أعتقت وليدة لها ، فقال لها : ( ولو وصلت بعض أخوالك كان أعظم لأجرك).
قال بعض أهل العلم أن الصدقة على ذي الرحم أفضل من العتق ، قاله القرطبي في المفهم ، وقال الحافظ : لا يلزم ذلك ، والحق أنه يختلف باختلاف الأحوال[9] .اهـ
وقد أشار النووي أن الصدقة على القرابة أفضل إذا كانوا محتاجين كما تقدم .
أجر من جمع بين الحج والعمرة
أخرج الشيخان البخاري[10] ومسلم[11] في صحيحهما من حديث عائشة رضى الله عنها في خروجها مع النبي r للحج ، فقالت : ( فحضت فلم أطف بالبيت ، فلما كانت ليلة الحصبة قالت : يا رسول الله أيرجع الناس بعمرة وحجة ، وأرجع أنا بحجة ، قال : وما طفت ليالي قدمنا مكة ؟ قلت : لا ، قال: فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهّلي بعمرة ، ثم موعدك كذا وكذا …) الحديث .
وفي رواية عند مسلم[12] ، قالت : ( قلت يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد ، قال : انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهّلي منه ، ثم ألقينا عند كذا وكذا) .
وعنده أيضا[13] ، قالت عائشة رضى الله عنها يا رسول الله أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن ينطلق بها إلى التنعيم …)
دلالة الحديث
هذا الحديث فيه دلالة على أن الجمع بين نسكين أفضل من نسك واحد ، إذ المتمتع له بكل نسك أجر ، و أجران أفضل من أجر، و رواية مسلم الأخيرة فيها بيان أن الإتيان بالنسكين فيه أجران لقولها رضي الله عنها : أيرجع الناس بأجرين و أرجع بأجر.
أجر من حافظ على صلاة العصر
أخرج الإمام مسلم في صحيحه[14]عن أبي بصرة الغفاري قال : صلى بنا رسول الله r بالمخمّص فقال: ( إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين و لا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد). و الشاهد : النجم.
- المخمّص : قال النووي بميم مضمومة و خاء معجمة ثم ميم مفتوحة و هو موضع معروف.
- الشاهد : قال ابن الأثير[15] سماه الشاهد لأنه يشهد بالليل أي يحضر و يظهر.
دلالة الحديث
الحديث فيه دلالة على فضل صلاة العصر و الحث على المحافظة عليها في وقتها، و أن من حافظ عليها استحق بذلك ضعفي الأجر، و قد توعّد الشارع الحكيم لمن ضيّعها و أخّرها عن وقتها بغير عذر شرعي من الإثم و الآثار الوخيمة على ذلك ما يدلّ على أهميتها و فضلها و تضعيف الأجر في المحافظة عليها.
أخرج البخاري في الصحيح[16]عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسولr قال : ( الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله و ماله) . و أخرجه مسلم و أصحاب السنن و حديث بريدة بن الحصيب t عن النبي r قال : (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) .[17]
أجر الجاعل
أخرج أبو داود[18] و أحمد في المسند[19] و أبو عوانة[20] من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله r قال : ( للغازي أجره، و للجاعل أجره و أجر الغازي.) إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.[21]
- الجعل : قال ابن الأثير[22] الجعل: الاسم بالضم و المصدر بالفتح، يقال جعلت كذا جعلا و جعلا و هو الأجرة على الشيء فعلا أو قولا، و المراد في الحديث أن يكتب الغزو على الرجل فيعطي رجلا آخر شيئا مكانه، أو يدفع المقيم إلى الغازي شيئا فيقيم الغازي، و يخرج هو، و قيل غير هذا.
دلالة الحديث
الحديث فيه دلالة على أن من جهّز غازيا في سبيل الله، أو جعل له شيئا من المال ليشارك في الغزو له أجران، أجر إعطاء المال، و أجر المشاركة في الغزو.
و من الأحاديث الواردة في بيان هذا الفضل ما أخرجه الترمذي و ابن ماجة و ابن حبان في صحيحه عن زيد بن خالد الجهنيt قال: قال رسول اللهr : ( من جهّز غازيا في سبيل الله كان له مثل أجره لا ينقص من أجر الغازي شيء.)[23]
و الحديث في الصحيحين[24]عنه بلفظ: ( من جهّز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، و من خلفه في أهله بخير فقد غزا.)
فقه الحديث
قال البغوي[25]: اختلف أهل العلم في جواز أخذ الجعل على الجهاد، فرخّص فيه قوم: الزهري، و مالك و أصحاب الرأي، و لم يجوّزه قوم.
قال الشافعي: لا يجوز أن يغزو بجعل، فإن أخذه فعليه ردّه، و قال النخعي: لا بأس بالإعطاء، و أكره الأخذ.
و قال ابن النحاس[26]: اختلف أهل العلم على قولين، على قول الجواز ينبغي أن تعتبر نيّته، فلو كان لولا الجعل لما غزا فإنه ليس من الأجر شيء سواء كان غنيا أو فقيرا، و إذا قتل فالظاهر أنه ليس بشهيد عند الله، لقوله r للذي سأله عن الرجل يريد الجهاد في سبيل الله و هو يبتغي عرضا من عرض الدنيا فقال النبي r : ( لا أجر له في غزوته هذه في الدنيا و الآخرة إلا دنانيره التي سمّى).[27]
و أما إن كان فقيرا لا يجد ما ينفقه على نفسه في غزوته، و كان بحيث لو وجد ما ينفق لما أخذ جعلا، و إنما ألجأه إلى أخذ الجعل حرصه على الغزو وعدم ما ينفقه فيه، فهذا في غزوه مأجور كالذي غزا بغير جعل، و إذا قتل مخلصا فهو شهيد لقوله r : ( للغازي أجره و للجاعل أجره و أجر الغازي).اهـ
أجر الغرق
أخرج أبو داود في سننه[28]، و الحميدي في المسند[29] عن أم حرام عن النبيr أنه قال المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد، و الغرق له أجر شهيدين) . هذا لفظ أبي داود، و زاد الحميدي : قالت أم حرام يا رسول الله، ادع الله عز و جل أن يجعلني منهم قال: اللهم اجعلها منهم، فغزت البحر، فلما خرجت ركبت دابتها فسقطت فماتت.
قلت: هذه الزيادة فيها نظر، و إنما قالت أم حرام ذلك كما جاء في البخاري في الجهاد/ باب الدعاء بالجهاد و الشهادة للرجال و النساء[30] حينما نام النبي r عندها ثم استيقظ و هو يضحك فقال: ( ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرّة قالت: قلت يا رسول الله … ) الحديث .
[1] فتح الباري 3/328 باب الزكاة على الزوج و الأيتام في الحجر
[2] النووي على مسلم 7/86 فضل النفقة على الأقربين
و أخرجه أحمد في المسند 3/502-503 ، 6/362
[3] 3/46رقم 658 و قال : حديث حسن
[4] الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 8/132 رقم 3344
[5] رقم 2385
[6] 4/17-18
[7] الترغيب و الترهيب 2/37 – صحيح الجامع رقم 1110
[8] النهاية في غريب الحديث 4/175 ( كشح )
[9] المفهم 3/47- الفتح 5/219
[10] فتح الباري 3/421 – الحج/باب التمتع و القران.
[11] النووي على مسلم 8/148 باب بيان وجوه الإحرام.
[12] 8/152
[13] 8/156
[14] النووي على مسلم 6/112 كتاب المسافرين/باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، و أخرجه أحمد في المسند 6/397، وابن حبان كما في الإحسان 4/333، و النسائي 1/208 باب تأخير المغرب.
[15] النهاية في غريب الحديث 2/514
[16] فتح الباري 2/30-31
[17] نفس المصدر السابق.
[18] السنن 3/36 رقم 2526
[19] 3/174
[20] صحيح أبو عوانة 1/21
[21] انظر الصحيحة 5/186 رقم 2153
[22] النهاية في غريب الحديث 1/276 كلمة ( جعل )
[23] الترمذي رقم 1629 ، و ابن ماجة 2759 ، و ابن حبان كما في الإحسان 4630
[24] فتح الباري على البخاري 6/49 رقم 2843 و صحيح مسلم رقم 1895
[25] شرح السنة 5/552، معالم السنن للخطابي 2/211
[26] مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق 2/636
[27] أخرجه أبو داود في الجهاد رقم 2516 و صحح الشيخ الألباني لشواهده كما في المشكاة 2/1129
[28] 3/16 رقم 2493 و صححه الألباني كما في الإرواء رقم 1194
[29] 1/169 رقم 349
[30] الفتح 6/10 رقم 2788